
10 ماي 1973.. دلالات وأبعاد في التاريخ الصحراوي المعاصر
لاشك في ان الاستعمار بما يعرف عنه من همجية واستعباد للشعوب ، كان سببا في ظهور العديد من حركات التحرر عبر العالم ، التي غايتها إحترام إرادة الإنسان في الوجود المتميز والعيش بكرامة ، وهو الشئ الذي يكفله القانون الدولي المعاصر تقديرا لإرادة الشعوب في المقاومة والنضال والتحرر من ربقة الإستعمار .
إقتداء بهذا المد التحرري الجارف أنذاك ، ورغبة في النهوض من تحت الرماد ، ونفض غبار الظلم والجهل والتعتيم الممنهج ، الذي مارسه الإستعمار الإسباني على الشعب الصحراوي منذ العام 1884 ، تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي في 10 ماي 1973 كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي، تحمل على عاتقها مهمة الدفاع عن تطلعات الصحراويين وتحقيق إرادتهم الراسخة في الحرية والاستقلال ، وهو المسعى الذي توج بإنتهاج خيار الكفاح المسلح في 20 ماي 1973 ، كأسلوب أمثل لطرد الإستعمار الإسباني ، وكان من نتائجه جلاء هذا الأخير من بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب ، في 26 فبراير 1976 ، وإعلان البوليساريو في اليوم الموالي عن قيام الإطار الجامع لكل الصحراويين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، لسد ذلك الفراغ السياسي والإداري الذي خلفته إسبانيا ، ومن هنا بالضبط إتضحت معالم القضية الصحراوية جلية ، على أنها قضية تصفية إستعمار كادت بالفعل أن تأخذ طريقها الى الحل ، لولا خيانة إسبانيا وتواطؤها مع كل من المغرب وموريتانيا في ما يعرف بإتفاقية مدريد المشؤومة في 14 نوفمبر 1976 .
لقد كان ظلم ذوي القربى والحالة هذه ، أكبر عار وأشد مضاضة وأكثر عدوانية وسأدية في حق الشعب الصحراوي الشقيق ، الذي رأى النور لتوه وما لبث أن فاجأه الغزاة المغاربة بآلة القتل وكل صنوف الإبادة الجماعية ، وكان أن شاركهم النظام الموريتاني أنذاك في الإثم والعدوان للأسف ، لكن عقيدة جبهة البوليساريو ومنهجها التحرري وثباتها على مبادئها وأهدافها النبيلة ، شكلت عاملا مهما في مواجهة كل الأطماع والنوايا التوسعية الخسيسة ، فبقوة الإيمان وعدالة القضية وبشدة بأس المظلوم ، إستطاعت جبهة البوليساريو أن تجبر موريتانيا على توقيع إتفاق للسلام في 5 غشت 1979 ، والإعتراف رسميا في ما بعد بالجمهورية الصحراوية .
أما الإحتلال المغربي ، فبقي يصارع وحيدا يتلقى الضربات والنكسات في وجه الإنجازات العملاقة والإنتصارات الجبارة التي ما إنفكت تحققها جبهة البوليساريو على مختلف الأصعدة ، ولعل من أبرزها إعتراف أزيد من 80 دولة عبر العالم بالجمهورية الصحراوية ، التي تبوأت مكانتها عن جدارة وإستحقاق في إطار منظمة الوحدة الإفريقية ، وتعد اليوم من الأعضاء المؤسسة للإتحاد الإفريقي .
هذا علاوة على الشرعية التي تحظى بها جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، بإعتبارها مفاوضا شرعيا وناطقا رسميا بأسم الشعب الصحراوي ، وهو الشئ الذي زكته محكمة العدل الأوروبية مؤخرا بالإعتماد على الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، والمنبثق عن النتائج التي توصلت لها لجنة تقصي الحقائق التي زارات الصحراء الغربية في 12 ماي 1975 .
كل هذه المكاسب ، بالإضافة إلى الهزائم العسكرية ، أجبرت النظام المغربي بدوره على الخنوع وتوقيف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991 واللجوء الى الإستفتاء الذي أقرته منظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وإتفق عليه الطرفان البوليساريو والمملكة المغربية.
إن الفضل في كل هذه الإنجازات التاريخية العملاقة التي أخرجت الصحراويين من ظلمات الجهل والتخلف الى نور الوعي السياسي والإعتزاز بالوجود المتميز ، لا يمكن أن يعود لغير 10 ماي 1973 ، ذلك التاريخ الذي صنع التحول في الواقع الصحراوي المعاصر ، بفضل الفكر الوطني الخلاق والتنظيم السياسي البناء والمآثر النضالية والبطولية التي جسدتها رائده كفاح الشعب الصحراوي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي ، في مختلف الواجهات وعلى مختلف الأصعدة ، والتي تقف اليوم من خلالها على حصيلة باهرة من التضامن الدولي الواسع مع القضية الصحراوية ، وعلى مسار سالك من التقدم الملحوظ في سبيل التحرر والإنعتاق .
إن مرور ما يقارب 52 عاما على تأسيس جبهة البوليساريو ، وعلى أدائها الفعال في جميع تواجدات الجسم الصحراوي وعلى مختلف الواجهات ، وفي ظل عودة الحرب الى المنطقة في 13 نوفمبر 2020 ، وظهور العديد من المتغيرات على الساحة الدولية ، لأكبر دليل على صمودها ، وأوضح برهان على عظمتها، وهي الحركة التي نشأت في أصعب الظروف وواجهت أعتى التحالفات ومختلف المؤامرات الإمبريالية ، ومع ذلك مازالت صامدة تطاول عنان السماء بشموخها وإبائها المنقطع النظير في سبيل التحرير الكامل لأراضي الدولة الصحراوية، وفرض إرادة الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال .
إن إحياء هذا الحدث الوطني الهام في هذه الظروف الدولية المتحركة ، وفي ظل جملة المكاسب الجبارة والإنتصارات الباهرة التي حققتها القضية الصحراوية على مختلف الواجهات والمستويات بفضل البوليساريو ، لمدعاة للفخر والإعتزاز ، ولمزيد من التلاحم ورص الصفوف وشحذ الهمم وتضافر الجهود لمواجهة مختلف دسائس الأعداء ومناوراتهم ، ورفع كل التحديات الطارئة والمحتملة ، لا سيما في ما يتعلق بإرادة الشعب الصحراوي وحقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال .
بقلم : محمد حسنة الطالب