معادن الناس تفرزها الشدائد
ان الناس معادن ومختبرها الشدة، وقد باتت المعادن الأصيلة التي لا تبلى ولا تصدأ نادرة في ايامنا هذه، فهي لا تظهر الا في المواقف، حين يتحرك الفرد وفق قناعته وايمانه، وما تختزن نفسه من مكارم الأخلاق ورفيع الصفات، وقد يتحول بعضها وينطفئ بهاؤه تبعا لتبدل الاحوال، وأبرز عامل يجعل كثيرين يتحولون من معدن أصيل إلى خردة، هي المصلحة الذاتية الضيقة التي تمليها بعض النفوس الضعيفة الامارة بالسوء، فتعلق بها الشوائب وتغير ألوانها، بل وتحول من كان معدنه ذهباً إلى معدن رخيص جراء تخليه وتنازله عن ثوابته وقيمه وانتمائه فيرخص معدنه ويتبدل شأنه، من عادل إلى ظالم، ومن نظيف إلى قذر، ومن وطني إلى متكسب على حساب الوطن، فبالمواقف، وقت الشدائد تعرف معادن الناس، وأخطر ما يتعرض له الوطن هو تبدل المعادن وتناقص أعداد أصحاب المعادن الوطنية الأصيلة التي لا تتبدل، مقابل تزايد أصحاب المعادن المتلونة سهلة الصدأ والانكسار، فقصر بعض النفوس عن المضي بثبات، ويبدو لغيرها بأنه قدم كفاية وينتظر رد الجميل من الوطن السليب، والبعض يرى أن التلون واتباع الاساليب الهادئة أفضل من المواجهة، فيحد اللّٰه إن لم ينكسر ويسقط في الهاوية، وتبقى المعادن الأصيلة مع الحق كالذهب، لا تتلون، ولا تتغير، حتى ان غاب عنها التقيم.
كما قال الشاعر: عبد القادر اللبّان:
إنٌَ الرجال وإنْ قلَّتْ مَعَادنها ذَهَباً * عند الشدائد تطلبها في الحال تلقاها * تحمل إليكَ الخيرَ أينما رحلت * وتذودَ عنكَ صِعاباً كنتَ تخشاها * وتحفظُ لك السرٌَ ولا تُفشي بهِ*
وتصونُ عِرضاً كَرِيماً فَضَحَتهُ أعداها * وتَبقى على العَهدِ وإنْ كَانَ الحِمَامُ بهِ * وَتَرفِضُ الغَدْرَ وَلو فيه كان مَحياها.
وكما تقدم فان الناس كالارض تنقسم الى معادن، منها الصافي والمختلط “المشموط” واساس الصفاء في معادن الناس هو عفتهم واخلاصهم لمواقفهم ووفائهم لعهودهم وصفاء نفوسهم وعدم اختلاطها بالشوائب التي تدنس بريقها وتعكر صفوة نفوسها، وابتعادها عن الخبائث التي تتسم بها الانفس الشريرة. فعهد الكريم لا يتغير ولا يتبدل بتبدل الاحوال كالمعدن الاصيل الذي لا تغيره الظروف، فالغدر من شيم الانذال، ﻭﺍﻟﺤﺮ ﻻﻳﻘﺎﺑﻞ ﺍﻹﺣﺴﺎﻥ الا بالاحسان ولا يدير ظهره لحق لان الحق اسم اللّٰه وارادته، ﻭﺍﻟﻨﺒﻴﻞ ﻻ يبصق في ماء ﺷﺮﺏ ﻣﻨﻪ، و ان العالم كله لا يمكنه ثني حر عن الوصول الى حق اقتنع بالوصول اليه ولا يستطيع اجباره على فعل يرفضه. وتلكم هي تعاليم ديننا الحنيف، فعن أبي هريرة عن النبي صل اللّٰه عليه وسلم قال: “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها إئتلف، وما تناكر منها اختلف”.
وإن للامان بالله الحق حلاوة تغلب على مرارة الحياة ونوائب الزمن واﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺃﻥ ﻳُﻈﻬﺮ ﺃﻣﺮًﺍ، ﻻﻳﺴﺘﻄﻴﻊ الناس ﻛلهم منعه، وان صفاء القلب هو محبة الخير للناس فمن أراد راحة القلب وهناء البال لن يجده إلا بصفاء قلبه ونقاء سريرته من وساوس الضغينة والأحقاد التي لا تهدؤ حتى تورد صاحبها الهلاك عبر طوفان الظنون والشكوك التي لا نهاية لها، وما أدل على ذلك من قول رسول اللّٰه صل اللّٰه على وسلم: “والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا”. فببراءة القلب من الأكدار يبرأ من الوساوس والآثام، وتلك هي صفات اهل الجنة لان صفاء القلوب منة من الله وهي أساس قيام المجتمع المسلم وسبب من اسباب النصر وقبول الاعمال. والشعب الصحراوي من المعدن الذي يدخل الجنة باذن اللّٰه لكونه مؤمن و “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ”، فالتفاءل بشرى وندعوا الى الخير نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر يمدنا اللّٰه بالخيرات. كما وعدنا عز وجل في قوله: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
وفقنا اللّٰه وإياكم لما فيه الخير لشعبنا.
محمد فاضل محمد اسماعيل obrero