
انحياز بريطانيا للاحتلال المغربي في قضية الصحراء الغربية وعودة الاستعمار الجديد للقارة الافريقية.
بقلم: ماء العينين لكحل/ كاتب ودبلوماسي صحراوي
في تحول مثير للجدل يتنافى مع أبسط مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، عبّر وزير الخارجية البريطاني في بيان مشترك مع نظيره المغربي عن دعم بلاده لما وصفه بـ”الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية” باعتباره “الحل الأكثر واقعية وفعالية”.
هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، فقد قوبل بموجة من الرفض والإدانة، لا سيما من الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو، ولكن أيضا من عدد كبير من السياسيين البريطانيين وغيرهم من الخبراء في قضية الصحراء الغربية، باعتباره خروجاً خطيراً عن موقف بريطانيا التقليدي وانحيازاً غير مبرر لصالح قوة احتلال في نزاع دولي مصنف من قبل الأمم المتحدة ضمن قضايا تصفية الاستعمار.
إن هذا الانحراف في الموقف البريطاني، رغم الإشارة الرسمية إلى أن لندن لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، يُعدُّ تناقضاً صارخاً بين القول والفعل، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام المملكة المتحدة، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، بمبادئ القانون الدولي وواجباتها الأخلاقية تجاه شعوب ما زالت تناضل من أجل حقها في تقرير المصير.
ورغم تأكيد لندن على أهمية “النظام الدولي القائم على القواعد” ودعمها المبدئي لحق تقرير المصير، فإن تبنيها الصريح للمقترح المغربي المسمى بـ”الحكم الذاتي” يكشف ازدواجية خطيرة في المواقف. إذ كيف يمكن لبريطانيا، التي يفترض أنها تدافع عن القانون الدولي، أن تعتبر مشروعاً أحادياً من طرف قوة احتلال تغتصب الأرض والثروات بغير حق حلاً “واقعياً” في قضية تصفية استعمار ما تزال الأمم المتحدة تشرف على مسارها منذ عام 1963؟!
المقترح المغربي ليس سوى مبادرة سياسية
هدفها الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية، وتكريس الاحتلال عبر طلاء جديد من المفردات الخادعة كـ”الواقعية” و”الفعالية”، في حين أن الواقع يؤكد أن المغرب يواصل، بقوة السلاح والانتهاكات الممنهجة لكل الحقوق الانسانية ولكن أيضا بفضل دعم خارجي من قوى استعمارية وأخرى وظيفية متورطة في كل أزمات العالم، فرض أمر واقع على شعب أعزل محروم من ممارسة أبسط حقوقه السياسية والمدنية.
والواقع أن كل المحاكم الدولية والإقليمية، وكل هيئات الأمم المتحدة، لا تعترف بأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية. بل إن محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري لعام 1975، نفت وجود أي روابط سيادية بين المغرب والصحراء الغربية.
كما أن قرارات الاتحاد الأوروبي، ولا سيما أحكام محكمة العدل الأوروبية، أكدت سنة 2024 أن أي اتفاقيات اقتصادية تشمل أراضي الصحراء الغربية دون موافقة الشعب الصحراوي، عبر ممثله الشرعي جبهة البوليساريو، تعتبر لاغية قانوناً. ونفس الاستنتاج أو اقوى منه خرجت به المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب في حكمها لسنة 2022.
إذن، فكيف يمكن لبريطانيا، التي تُعرف بمواقفها التاريخية الحذرة حيال النزاعات الدولية، أن تتجاهل هذا السياق القانوني والسياسي وتمنح دعماً ضمنياً لدولة تحتل أرضاً لا سيادة لها عليها بتاتاً؟
لكل ذلك، ترفض جبهة البوليساريو والمجتمع الصحراوي بأكمله المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره مناورة استعمارية هدفها الوحيد إضفاء شرعية زائفة على احتلال عسكري غير قانوني. هذا المقترح لا يمنح الشعب الصحراوي حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير، بل يفترض أن للمغرب السيادة على البلد مسبقاً، ويصادر حق الشعب الصحراوي في اختيار الاستقلال من أساسه.
بل إن تركيز البيان البريطاني المغربي على المقترح المغربي فقط، دون الإشارة إلى المقترح المقابل الذي قدمته جبهة البوليساريو في عام 2007، يتنافى مع مبدأ الحياد ويفضح تحيزاً سياسياً غير مبرر. وهذا الموقف لا يخدم قطعا مسار السلام، بل يعمق حالة الجمود ويدفع المغرب نحو مزيد من التعنت والمماطلة.
والحقيقة أن بريطانيا، كعضو دائم في مجلس الأمن، تتحمل مسؤولية مضاعفة في احترام مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصحراء الغربية وبغيرها من القضايا.
ولذلك فهذا الدعم الضمني للمقترح المغربي يقوض هذه المسؤولية، ويمنح غطاءً دبلوماسياً للاحتلال، وينزع كل مصداقية من لندن على الاقل لدى الصحراويين ولدى كل العارفين بخبايا القضية، والأخطر من كل ذلك أنه يشجع المغرب على الاستمرار في عرقلة تنظيم الاستفتاء الذي توافقت عليه كل الأطراف عام 1991.
إن السلام الحقيقي في شمال إفريقيا لا يمكن أن يقوم على مكافأة الاحتلال والاستيلاء على الأرض بالقوة، بل على قاعدة احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وكرامة. وتغليب المصالح الاقتصادية المتوهمة أو التحالفات الإقليمية على المبادئ القانونية لا يؤدي سوى إلى تقويض النظام الدولي برمته، وإضعاف مصداقية المؤسسات الدولية.
وأمام هذا المشهد، لا بد من دعوة بريطانيا إلى مراجعة موقفها وإعادة اصطفافها إلى جانب الشرعية الدولية، لا إلى جانب الاحتلال، حيث أن دعم الشعب الصحراوي في نضاله من أجل الحرية ليس مجرد موقف سياسي، بل هو امتحان حقيقي لقيم بريطانيا التي طالما افتخرت بها: العدالة، حقوق الإنسان، واحترام الشعوب.
وفي الختام، لا بد من تنبيه الجميع أن الاحتلال المغربي لم يعد يملك شيئا من استقلاله السياسي، وأصبح يقاد من خارج الرباط مرة من تل أبيب، وأخرى من دول خليجية او من فرنسا التي تعمل كلها على إثارة الفتن، وزرع بذور الكراهية بين شعوب المنطقة من أجل خدمة الأجندة الاستعمارية الجديدة، التي تحضر أبو ظبي لاستضافة ندوة جديدة تجمع فيها كل الدول التي تمكن الحلف الاستعماري الجديد من استمالتها من أجل إعادة فرض الأمر الواقع الاستعماري في المنطقة، بدءا من الصحراء الغربية. أفلا يذكرنا هذا بندوة برلين لسنة 1884 التي قسمت القارة الافريقية وشعوبها آنذاك؟
لقد آن الأوان لأن تتوقف الدول الغربية، وبريطانيا على رأسها، عن سياسة المعايير المزدوجة، وأن تنحاز بوضوح إلى مبادئ الحق والعدالة في آخر قضية تصفية استعمارية في إفريقيا. كما آن الأوان للشعوب المقاومة أن تعرف أعداءها وأن تستعد لمواجهة شرسة بين قوة الحق والمبادئ وبين قوة الغصب والاعتداء.
بقلم: ماء العينين لكحل/ كاتب ودبلوماسي صحراوي