حديث الطوب والأسمنت …
اخذ سعيد معوله، وبدأ يكسر حائط بيت جدته، الذي بني منذ تسعينيات القرن الماضي، وكان قد حط منذ ايام كمية من الياجور الأحمر بجوار البيت القديم، وبينما هو يكسر الجدار ويضع بريك الطوب بجانب الياجور استغلت إحدى لبنات الطوب (ابريكة) تلك الفرصة، لتحكي قصتها لبعض الياجور، الذي كان يراقب الوضع عن قرب.
فقالت: لم أولد طوبة هكذا، ولم أكن بهذا الجدار منذ عقود، فقد كنت حبات رمل وطين وماء، اخلطتني أيادي حرة كريمة، ووضعتني في لوح مستطيل، حتى اصبحت هكذا لبنة صامدة، كانت تلك الأيادي صابرة، همها ان تجد مأوى ودفء، يقيها حر الشمس وقوة الرياح.
كانت النسوة يتعاونّ على بناء البيوت، يحملن الشواري الممتلئة من خليط الطين، كانت حفر العجنة مسارح ابداع، ويبنين منها غرف المطابخ (لكوازين)، كانت تغطى بالاقمشة وبقايا الخيم، ثم تطورت الى الزنك (السنك)، كان العمل الجماعي سيد الموقف، كانوا يطلقون عليه اتويزة، ساعدني الحظ ان تكورت بين ايدي والد هذا الرجل، الذي يحمل الفأس الآن لهدم هذا البيت، كانت يداه تحملني بلطف شديد، وحرارة وفرح، وقوة وثقة بالنفس، لم القاها في احد بعده، وتعاهدنا نحن معشر الطوب، ان نتعاون مع هؤلاء الصامدين، ونكون عند حسن ظنهم.
هكذا استقر بي المقام في هذا الجدار على مدى اكثر من ثلاثة عقود، دون كلل ولا ملل، واجهت العواصف، والزوابع، والأمطار، وكنت صابرة محتسبة، مثلي مثل هذا الشعب الأبي الصامد، كنت سأكمل صمودي، ماصمدت اللاجئات، والارامل، والأمهات الثكالى، كنت اعي جيدا معنى التضامن، وأن البنيان يشد بعضه البعض.
اليوم ها أنا يرمى بي على قارعة الطريق، كي اترك مكاني، لكن انتم يامعشر الياجور، وأبناء عمومتكم من الأسمنت والحديد، واشياء أخرى، وكل هذا من أجل بناء قد نكون نحن اكثر فائدة وثباتا منه.
التفتت إحدى الياجورات إلى زميلاتها قائلة: والله لقد ظلمنا هذه اللبنات، وتعدينا على مكانتهم الاجتماعية في مجتمع متسارع، لايدري كيف يعالج الأمور، وهمه هو ان يفعل ما فعل جاره دون تفكير.
انا شخصيا قالت أخرى: اتمنى ان اتكسر قبل ان أخذ مكانهن.
وأعلنت نقابة الياجور والأسمنت في بيان لها، عن تضامنها اللامشروط مع ابريك الطين، وطالبت بإعادة الاعتبار اليه، وحفظه ضمن الذاكرة الجماعية للمجتمع، حتى لا تضيع تضحياته وأعماله النبيلة التي قدمها خلال عقود، وطالبت بتوعية ابريك الطين بضرورة التغيير والإصلاح، وترك المجال للياجور في المباني العامة، عسى ان يفعل اشياء افضل، تفيد في تقدم القضية، والاسراع في العودة الى الوطن الحر والمستقل.
بقلم: بلاهي ولد عثمان