تحرروا أنتم قبل الشعب …
لا شيء في المغرب يخلو من الإختراق ، فالمخزن صنع أحزاباً إدارية وهي التي خرجت من الباب الكبير لدار المخزن ، وفي نفس الوقت صنع أحزاباً أخرى خرجت من الباب الخلفي ، ومهمة هذه الأحزاب مجتمعةً هي لعب أدوار مختلفة حسب الطلب ، والغاية طبعاً تسويق كذبة التعددية الحزبية في المغرب . فصنعت دار المخزن الإسلاميين واشتغلت بهم في “معارضة مصطنعة ” لسنوات ، وسلمتهم “المحكومة” بداية ما يعرف بالربيع العربي ، للإلتفاف على مطالب الشارع المغربي أنذاك ، فتبين بعد ذلك للغافلين أن الإسلاميين هم أكثر” تمخزناً ” من المخزن نفسه ، وما إن وصل المخزن لاستنتاج أن المغاربة تفطنوا لخدعة الاسلاميين ، بعد مرور عشر سنوات ، حتى سارع المخزن الزمن ليوقّع بهم اتفاقية إبراهام وبعد ذلك وضعهم على الهامش .
وما دمنا نتحدث عن الأحزاب التي خرجت من الباب الخلفي لدار المخزن ، فهناك نماذج عدة ، إلا أن حزب اليسار الموحد الذي تتزعمه نبيلة منيب يبقى من بين أهم هذه الأحزاب التي ترفع شعارات كان الإسلاميين يرفعونها ، وما إن جلسوا على كرسي من ورق له سلطة مصطنعة ، حتى تغير كل شيء ، وزاد اليقين القائل أن المغاربة جربوا كل الأحزاب بمختلف توجهاتها الشكلية ، ولكن في النهاية يصلون لنفس النتيجة التي تؤكد أن تلك الأحزاب هي ” القالب ” الذي يقفز به المخزن على حواجز الأزمات و يخذر به المغاربة لفترة زمنية معينة .
المهم أن نبيلة منيب خرجت في تصريح قبل أيام تتحدث عن القضية الصحراوية وتفوهت بعدة مغالطات . فإما أن السيدة تعرف الحقيقة وتخفيها عن المغاربة وهذه خيانة ، وإما أنها لا تعلم وهي أستاذة جامعية وهذه بحد ذاتها طامة كبرى . قالت منيب برومنسية يسارية أن علي يعتة خدم المغرب ولعب دوراً مهما في قضية الصحراء ، وهنا نقول لها أن هذا طبيعي ، لأن علي يعتة وحزبه الشيوعي الأول في المغرب كان من صناعة نظام الحسن الثاني ، لهذا لن يفعل علي يعتة سوى الشيء الذي يُطلب منه دون زيادة أو نقصان ، وهذا ليس كلامي بل موجود في مذكرات الضباط السابقين في مخابرات الكاب 1 ، حيث أن الصاكا و العشعاشي ، وهما ضابطين في المخابرات أنذاك ، يصفانه ب”المتعاون اللطيف ” مع المخابرات ، بتالي من المخجل أن تقدِم ، ما يفترض أنها يسارية ، علي يعتة بالمناضل وهو عميد العملاء .
ولا تفوت السيدة منيب أي فرصة إلا و تستحضر عبد الرحيم بوعبيد و اليوسفي ، وتقول أن لهما الفضل في الدفاع عن ما تسميه “القضية الوطنية الأولى للمغرب ” ، وتقدم اليوسفي بأنه عارض الحسن الثاني بعد قبول الأخير بالمخطط الأممي الإفريقي في الصحراء الغربية ، وأن اليوسفي هو اليساري يؤمن بمغربية الصحراء ، وهنا هل بإمكان منيب أن تقدم لنا موقف اليوسفي من اتفاقية مدريد وتقاسم الصحراء الغربية بين المغرب موريتانيا ؟ أين كان اليوسفي ؟ وإذا كان فعلا يؤمن بما يسمى ” مغربية الصحراء ” فل تقدم لنا موقفه الموثق من التقسيم ؟ وإذا عارض الاستفتاء فإن له “الجرأة ” أعتقد لمعارضة التقسيم أيضا ! ، وحتى إن عارض التقسيم فعليه المطالبة بموريتانيا ، لأن القاعدة المريضة التي تبرر احتلال الصحراء الغربية هي نفسها التي تطالب بموريتانية ، وهي قاعدة علال الفاسي التي تبناها يساريي المغرب رغم أنهم يرون أن صاحبها مجرد ظلامي إسلاموي ، وهنا مكمن اختلاط الحابل بالنابل في المغرب .
السيدة منيب في معالجتها لأوضاع بلدها تضرب المثل دائما بالدول الأوروبية في احترامها للقانون و الديمقراطية ، ولكن مقاربتها هاته التي تطالب باحترام القانون تتوقف بشكل غريب عند الصحراء الغربية ، متجاهلة أن هذا الإقليم له وضعية قانونية لا أعتقد أن السيدة نبيلة منيب تجهلها ، ولا أعتقد أنها برومنسيتها تلك و عواطفها الجياشة اتجاه قهر الشعب المغربي و الشعب الفلسطيني سترضى أن يتم اضطهادنا نحن وتجاوز حقوقنا التي يكفلها القانون الدولي ، و أعتقد أن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار و قرارات الأمم المتحدة واضحة بهذا الشأن .
زعيمة الإشتراكي المواحد قالت في حوارها الأخير أن “الإستفتاء يعني الإستقلال ” ، وهنا إن كانت منيب تتحدث بالقانون وتعريف مفهوم الإستفتاء فإننا نقول “اللهم إن هذا منكر ” ، لأن الإستفتاء سيدتي في الحالة الصحراوية يحتوي ثلاث خيارات تحدد المستقبل النهائي للصحراء الغربية بشكل ديمقراطي ( الإستقلال – الحكم الذاتي – الإنضمام للمغرب ) وللصحراويين لهم الحق في تحديد ما يريدون ، أما إن كانت تقصد نوايا الصحراويين وأن الإستفتاء يعني تصويت الصحراويين للإستقلال ، وهذا هو مبررها الوحيد لكي ترفضه ، فإن هذا قمع والتفاف على شعب جار وتناقض في جوهر الشعارات التي ترفعها “بنت منيب” ، وهو تناقض لا تسلم منه نخبة اليسار المغربي عموما .
أما قولها أن البوليساريو نشأت من داخل المغرب ، فهذا يعكس جهل النخبة المغربية التي تجتر خطابات دون تدقيق وبحث مسبق ، فإن كانت تعني بالبوليساريو الشهيد الولي مصطفى السيد ، فإن الولي قال في بوعبيد الحقيقة التي تتجاهلها منيب ، وأكد الولي في خطاب مسجل أن بوعبيد ” مناضل من ورق ، مناضل مزور ، رفاقه يقمعون و يختطفون وهو يجلس بأريحية في مكتبه في الدار البيضاء ” ، والخطاب موجود وسيتم نشره قريبا .
ولا بأس أن أضيف معلومة مهمة للسيدة منيب ، وهي أن رفاق الشهيد الولي الذي أسسوا إلى جانبه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و واد الذهب ، هم من عائلات متوزعة جغرافيا في المنطقة المغاربية ، منهم من جاء من العيون ومنهم انطلق من جنوب المغرب ، ومنهم انتقل من تندوف ومنهم من جاء من موريتانيا وبعضهم كان يدرس في إسبانيا . ولكي أشرحها للسيدة منيب ب “الخشيبات ” ، فإن هناك مؤسسين للجبهة كانوا يشتغلون في موريتانيا ولم يدرسوا يوما في المغرب ولا يعرفون أين توجد “دار التوزاني ” التي تحدثتي عنها في معرض حديثك ، وهناك من كان في المكتب السياسي للجبهة ودرس في الجزائر ولم يعرف يوما أكادير أين تقع ، والمؤتمر الأول للجبهة 1973 كان في الزويرات ، وإن لم تعرفي أين تقع هذه المدينة فإنها في موريتانيا ، ولم نسمع يوما النخبة الموريتانية تقول أن البوليساريو انطلقت من موريتانيا لمجرد أن مؤتمر الاول نظم فوق التراب الموريتاني .
أتمنى من السيدة منيب في المرة القادمة أن تحترم عقول الصحراويين ، وإن كانت تريد تغليط الرأي المغربي فإنها تتقاطع هنا بشكل من الأشكال مع قنوات تقول منيب أنها تقوم بدور ” ألهي يا بو ملهي ” ك شوف تيفي وأخواتها ، لهذا على النخبة المغربية التي ” تنتسب ” لليسار أن تحرر نفسها قبل أن تعمل على تحرر الشعب المغربي الشقيق .
بقلم : امبارك سيدأحمد مامين .