الكركارات: اللقمة المسمومة!
بدأت الحرب الصحراوية المغربية الثانية، وبالتأكيد،سيتوقف على نتائجها مستقبل التعايش والسلام الاقليمي. ذلك هو الرأي المعبر عنه من طرف العديد من خبراء هذا النزاع وهو، كذلك، القناعة الراسخة لدى جيران الشعب الصحراوي الذين يشطارونه، بشكل مباشر، آلام لدغة التوسع المغربي في المنطقة.
إذا كان جشع التوسع المغربي، في نهاية القرن السادس عشر، قد جعل من السهوب الملحية في منطقة تاغازا،والسيطرة على الذهب والموقع الاستراتيجي التجاري الرائع لمالي هدفا رئيسا لحملاته حينها، فان الاحتياطات الكبيرة من الفوسفات في بوكراع، مناطق الصيد البحري الغنية في الصحراء الغربية وكذا مخزون غار الجبيلات الهائل من الحديد في الجزائر والزويرات في موريتانيا،تقع اليوم في مركز الأطماع التوسعية المغربية المعاصرة. إن هذ الشره والنهم يزدادان سوءًا واستفحالا، وبالتالي فحدود المملكة المغربية المتغيرة لن تتوقف عن الرغبة في التمدد الا مع نفاذ الموارد، أو حين يبادر المهددون باستخدام القوة لكبح جماحها. بالتأسيس على هذا الجنوح التوسعي، يتم اتخاذ خطوات، داخل المغرب الآن،للشروع في مخطط لضمان الوصول الى التيلوريوم والمعادن النادرة الأخرى في السواحل الكنارية الصحراوية، وهو ما أدى الى انتشار حالة ذعر مكبوتة في مراكز الأبحاث الإسبانية.
الحجج الواهية لا تنقص المغرب في هذا الصدد. فبالامس كان يتم تزوير التاريخ، واليوم يكتشف المغرب، فجأة،”جذوره المقطوعة عن إفريقيا” معلنا ميلاد حاجة ملحة لتواصل الحدود مع إفريقيا السوداء. اليوم، يتعلق الأمر بالكركارات، لكن مع شروق شمس يوم آخر قد تكون الوجهة هي روسو، ولاية، برج المختار أوعين قزام في أقصى جنوب موريتانيا والجزائر على التوالي.
كما أن جزر الكناري، بسبب جاذبية المعادن النادرةالمكتشفة حديثًا، قد تدرج قريبًا في سلة الإمبراطوريةالوهمية، بناء على نظريات لاعقلانية من مثل الامتدادالطبيعي للجرف القاري المغربي أو ادعاء أصل بربريأسطوري ل لوس غوانشيس los Guanches، وحينهاستبدأ الأميال البحرية المغربية بالتمدد باتجاه الجزر. فقطالغصة الخانقة للمغامرة التوسعية في الصحراء الغربيةهي ما يمنع حدوث تسونامي وشيك.
المواجهة الجديدة وجودية، مسألة حياة أو موت، ليس فقط للشعب الصحراوي، اذ أن أي لا مبالاة أو حياد من الجيران، ستكون، هذه المرة، انتحارًا استراتيجيًا.
إن تراخي المجتمع الدولي، أعطى أجنحة للتوسع المغربي،وجعل من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية أوراقا لا قيمة لها. لقد أسقط بالتقادم كل قيمة لرأي محكمة العدل الدولية وأفرغ قرارات محكمة العدل الأوروبية من محتوها محيلا، في النهاية، مخطط التسوية الى مسار مثير للاحباط ولا نهاية له. ثلاثة عقود من الانتظار والصبر وحسن نية الشعب الصحراوي لم تحظ بأدنى قيمة، بينما تتم مكافأة الاحتلال الذي يمارس القمع ونهب الثروات وتحدي كل القرارات، من قبل من يفترض أنهم حراس معبد الشرعية الدولية. ولتعميق الشعور بالخيبة المدوية، فالمينورسو لم تعد تفرق بين مهمتها الأصلية المتمثلة في تنظيم استفتاء تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية وبين مهمتها المكتسبة كوكيل لحراسة للتأمين على التجارة غير المشروعة العابرة لمنطقة الكركارات والدأب على الرضوخ لنزوات المحتل.
في كل تاريخ الأمم المتحدة، ربما لن تجد احتراما أو تقديرا أكبر من الذي أبداه الشعب الصحراوي تجاه هذه المنظمة الدولية، بيد أن العكس ليس صحيحا في هذه الحالة، إذ في المقابل ربما لن تجد، أيضا، استهانة أكبر من التي أبدتها الأمم المتحدة تجاه هذا الشعب. لقد تم تأويل طيبته وثقته في الشرعية الدولية على أنهما سذاجة، وتم تلقي مرونته وبحثه عن حل سلمي على أنهما إشارة ضعف. بالنتيجة، لم يعد أمام هذا الشعب من سبيل وحيد متاح سوى اطلاق صرخة للتعبير عن السخط والعودة إلى السلاح، وهو أكثر الخيارات كرها، لكن، والحال هكذا،أكثرها شرفا بالتأكيد.
شرعت الرباط، بتشجيع من تحالف غير متجانس وراءها،في عملية الكركارات المشؤومة مدعية، عبثا، استكمال السيطرة وشرعية احتلال الصحراء الغربية. مباشرة وبدون أدنى شعور بأي نوع من الانشغال، تشرع بعض الجهات ذات النوايا غير البريئة في إطلاق عنانها للاحتفالات؛ فرنسا مهد الثورة في أوروبا تحيي المهزلة بعملتها المتقادمة “Liberté, égalité et fraternité”، أما إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة، المخدوعة باستمرار،المناورة والمتواطئة فحكومتها تصدح ماء فيها: أوليه،أوليه!.
أما في الشرق الأوسط، فسرعان ما انضم علي بابا وأتباعه إلى المغارة باسم التضامن الملكي، فيما لا يزال آخرون في الانتظار وهم يشتمون روائح الوعود المثيرة في وليمة افتراضية.
الآن، الجميع مرعوبون، مشتتون، كل يبحث لنفسه عن طريق أمام الزئير المذهل والمفاجئ للشعب الصحراوي،والمغرب المذعور الأخرس أدرك، متأخرا، خطورة بيع جلد الأسد قبل اصطياده.
مرة أخرى، يتفاجأ العالم بتصميم ووحدة وإستماتة الشعب الصحراوي، وتختلط كذلك أوراق التحليلات التقليدية الجافة على الورق، وتتلاشى أوهام المراهنة على إمكانية ارهاق الشعب الصحراوي أو احباطه معنويا، وبالتالي، تصبح الكركارات الخطأ الاستراتيجي الأكبر بالنسبة للمغرب.
من يزرع الرياح يحصد الزوابع!
بقلم : السفيرالصحراوي، عليين حبيب الكنتاوي.