بلادة المغرب تسقطه في فخ الكركرات.
لم تكن الكركرات هي الهدف لدى جبهة البوليساريو ولا غلق ثغرتها من طرف المدنيين الصحراويين هي مطلبها الأساسي بل كانت الشرك المحكم و المصيدة المتقنة و الكمين المحصن الذي سقط فيه نظام المخزن المغربي دون دراية.
لقد توهم أصبياء السياسة في المغرب ان اللعبة بسيطة ومحدودة في الزمان و المكان وبعدها يعود الوضع المريح للمخزن الى ماكان عليه وإذا بهم يسقطون في الفخ الذي نصب لهم بحنكة سياسية فائقة وحسابات دقيقة فاجئهم واربك حلفائهم. فالكركرات لم تكن الا باب الشرعية القانونية لكسر القيد الذي كُبلت به أيادي الصحراويين منذ سنة 1991 والتملص النهائي من طبخة سياسية مسمومة يراد بها إقبار الى الأبد الكفاح الوطني للشعب الصحراوي.
إن سوء تقدير قوة البوليساريو و التهور الأعمى و الغرورالمفرط والتّقوي باللوبيات الغربية جعلت المخزن يرتكب حماقة فتح قواته لثلاث ثغرات يوم الجمعة الماضي في الجدارالمحاذي لمنطقة الكركرات في عملية التفاف وتطويق للمعتصمين السلميين الصحراويين، معتقدا أن تهديدات البوليساريو إنما ضباب ما يلبث أن يتلاشى وإذا به يعطي فرصة ذهبية لم تستطع البوليساريو خلال ثلاثة عقود من الزمن الحصول عليها. لقد إنجرالمغرب الى خرق وقف إطلاق النار بصورة واضحة و امام أعين بعثة المينورسو ليطلق بذلك رصاصة الرحمة على سنوات من الأريحية التي كانت فيها المملكة تصول و تجول كما يحلو لها. لقد قلب المغرب الطاولة على نفسه بحسابات ضيقة دون الإكتراث الى العواقب.
لقد ورط أصبياء السياسة من البوريطيين و هابطي الهمة و الحموشيين وجوقة الأحزاب البهلوانية، المغرب في حرب مفتوحة لن يجد بعدها استقرارو لاسلام امام إرادة الشعب الصحراوي الذي مل الإنتظار و سئم التلاعب بحسن نيته و يكفي انه ما ان حاول الجنود المغاربة دخول منطقة الكركرات يوم الجمعة، حتى اشعلت جبهة البوليساريو النار من بئر لحلو شمالا مرورا بالمحبس و قطاع الفرسية الى اوسرد و الكركرات أقصى جنوب الصحراء الغربية وبذلك يظهر جيش التحرير الشعبي الصحراوي أنه كان جاهزا قتاليا تسليحا ومعنويات و كان يتحين الفرصة لقيادة الحرب و السيطرت على مجراها، مما أحرج اصحاب القرار في الرباط وأربك قيادات جيشها الغازي التي وجدت نفسها في مواجهة مفتوحة لم تكن مستعدة لها و أفقدت الصحافة المخزنية البوصلة . وأبعد من هذا و ذاك إرتباك حلفاء المغرب خاصة فرنسا التي صُدمت بسرعة وقوة رد جبهة البوليساريو ولكن أيضا بحذاقتها و استغلالها للعامل الزمني، فلم تستطع الخارجية الفرنسية إتخاذ موقف علني لصالح محميتها غير مدغها بتوجع لعبارة “ضبط النفس”، أما السيد غوتيرس الأمين العام الأممي الذي كانت مفاجأته أكبر فقد إبتلع ريقه والى حد كتابة هذه السطور لم ينبس ببنة شفة خاصة بعد أن رفض الرئيس الصحراوي ابراهيم غالي استقبال مكالمته الهاتفية، اما دويلات الخليج التي تم التباكي عليها و الإستنجاد بها من طرف المغرب لم تتجاوز مجاملتها المعهودة “إننا معك” و لا واحدة تجرأت على التنديد بالقرار الصحراوي بالعودة الى الحرب من جديد.
إن المجتمع الدولي بمنظماته و دوله وجد نفسه في الزاوية الحرجة أمام القرارالشجاع لجبهة البوليساريو في جعل قرار وقف إطلاق النار في خبر كان لسبب بسيط هو ان “وقف إطلاق النار” له توئم آخر يسمى “الإستفتاء” و هما خُلقا لصيقان و بدورة دموية واحد وأي عملية قيصرية لفصلهما تؤدي حتما الى موتهما الأثنين. إن العالم يدرك جيدا ان خطة التسوية التي قبلها الطرف الصحراوي و المغربي سنة 1988 في قرار 658 لعام 1990 جأت بهدف إجراء استفتاء تقرير مصير شعب الصحراوي، و ليتحقق ذلك في جو من الطمأنين لابد من وقف لإطلاق النار و هذا ما يبرر وجود بعثة المينورسو، فالمغرب مدفوعا بحسابات ضيقة وسوء تقدير ظن انه يمكن اسقاط عملية الإستفتاء من الخطة و الإبقاء على وقف إطلاق النار، شجعه في ذلك التواطوء من داخل مجلس الأمن فرنسا بالخصوص و من خارجه اسبانيا التي رهنت مصالحها في المنطقة بالمغرب وللوبيات الضغط في امريكا.
إن جميع الردود الدولية سواء منها الحكومية أو الحزبية أو وسائل الإعلام تجمع أن المغرب ضيّع فرصة السلام التى منحت له على إمتداد حوالي ثلاثين سنة كان يمكن ان يحصل فيها على مكاسب لو إمتثل الى الشرعية الدولية، أما اليوم بالقرار القوي الذي إتخذته البوليساريو سيعزز من موقف هذه الأخيرة و ستفرض شروطها وهي تخوض الكفاح المسلح في أية مفاوضات مستقبلية.
إن المغرب يسقط في الفخ الذي نصبته له البوليساريو و” ادخول الحمام ماهو كيف اخروج ” كما يقول المغاربة.
بقلم: محمدفاضل محمدسالم