كَلْهَا گَطَّاعْ سَوْمْ رَاسُو
من أراد ان يكون صقرا فاليحلق ويعلم ان للحرية ثمن باهض ومن اراد ان يكون حشرة فاليحبوا ولا يستغرب إن داسته الاقدام ، هذا هو ما يميز عزيز النفس عن وضيعها، حيث تعتبر عزة النفس من المبادئ الجميلة التي يتحلى بها الشخص القوي ، و تعني أن يترفع الإنسان عن كل ما ينتقص من قيمتهِ وقدره ، فهي صفة الأكابر العظماء وأصحاب المبادئ، والعزّة عكسها الوضاعة، كأن يقبل بأن يهان، وتلك هي صفة الضعفاء، والعزّة هي إحترام النفس ورفضها للمهانة وابتعادها عن كل ما لا يليق بها، الامر الذي يعطيها جمالا وفخرا ووقارا بين الناس، ولأنّ الله هو وحده القوي العزيز، فعزيز النفس يتحلى بالشيم الحميدة التي امر اللّٰه بها عباده الاخيار ليقتربوا من الكمال الذي يتفرد به الواحد القهار، فلا ترى على وجه عزيز نفس ذلة ولا تلحق بها رذيلة، ليبقى كريما مرتاح الضمير متحرّرا من رق الهوان وذل الطمع فلا ينطفئ بهاؤه، وقد يساعده العلم والمعرفة في الارتقاء لهذا الشرف، لوعي المتعلم بأن الحياة لا قيمة لها دون كرامة، حيث يرفض الانسان الحر العزيز ان يحشر نفسهُ ويذلها في صغائر الأمور التي تشتهيها نفسهُ الامارهُ بالسوء، فتجتمع العزّة والعلم في خليط جميل ليخرجا للدنيا أجمل ما في الإنسان وهو كرمه وعطائه وسمو خلقه.
اما العلم فهناك من يتعلم ويُنتفعُ بعلمه وهناك من يتعلم ويكون علمه كعلم الشيطان، لا يزيد صاحبه الا ضلالا، فمن يستثمر المعرفة لإرشاد الناس وتراحمها وتقوية لحمتها وتوسيع باعها في الصبر على طريق الحق ويوسع مجال الاجابيات ويضيق مجال السلبيات لديها، تنتفع الناس بعلمه ومعرفته ويكون عونا لها على نوائب الدهر، كما قال اللّٰه تعالى، “فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”، ومن أشاع اسباب التفرقة واذكى نيران الفتن، يصبح عمله وكرا للفيروسات التي ينتعش معها كل عمل معادي فينتقد صاحبه من ينتقد دون معرفة، ويحلل دون توفر المستوى المعرفي والمعلوماتي الكافي ويشكر من لا فضل له ويتحلل من الفضائل، فيأتي عمله على مجتمعه بنتائج كارثية، ويكون عمله على قرينه كعمل ابليس حين قال للانسان اكفر فلما كفر قال له اني بريئ منك. وكما تقول العرب: “ماكان الغراب دليل قوم الا ومر بهم على الجيف”. لانه ينشر التشاؤم واليأس في صفوف اهله نتيجة لضعفه، وقد علمتنا التجارب بأن ناشر اليأس بين الناس يدل على عدم رغبته في النصر وعدم الرغبة في النصر تدل على الولاء للطرف الآخر وذلك هو دليل العمالة، حتى ولو لم يكن ذلك مقصودا، فالفرق بين العدو والصديق عند التحدث عن الوطن والواجب، هو ان الوطني يصف النصر بالاكيد والقريب، والعدو يصفه بالبعيد المستحيل لانه غير مستعد للتضحية من اجله، فيسبب الالم وشق الصفوف الصديقة، وقد يؤلمنا ان يولينا الدبر من كان في صفنا، ولكننا ننساه حين نتذكر انه نسي الوطن وفرط في الواجب وخان عهد الشهداء .
وكما يقول المأثور : لقد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس، والوفاء غال جدا فلا يُتوقع من رخيص”، وإن لم تكن قادرا على الوفاء فلا تقطع عهدا وأترك العهود لاصحابها الاوفياء حتى لا تكون منافقا كذابا لان التفريط في الوفاء ونقضه من سيم المنافقين “فلسانك موقفك، فلا تهنه، ولا تكثر في وعد لا تستطيع الوفاء به أو وعيد لا يجد ما يدعمه في قدرتك”. ولقد قطعنا نحن مناضلوا الجبهة الشعبية على انفسنا عهودا لا رجعة فيها حتى الاستقلال، ولو كانت ثقيلة فلا مفر من الوفاء بها لاننا قدرنا وزنها مسبقا وعقدنا العزم على الوفاء. فالدنيا مسألة حسابية، اطرح منها المعانات، واجمع الاخلاص والوفاء، واترك الباقي لله.
بقلم : محمد فاضل محمد اسماعيل obrero