التطبيع مع إسرائيل : تنكر للتاريخ وخيانة الفلسطنيين !
تطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى جعل العلاقات بين طرفين ، طبيعية بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب من الأسباب، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأن شيئا لم يكن مما كان سائدا في السابق .
وتتنوع أشكال التطبيع، وقد تتجلى في مشاريع أو اتفاقيات أومبادرات مشتركة بين دولة وأخرى، أو في إبراز الجهود الثقافية ، الفنية ، العلمية والإنسانية المتبادلة بينهما.
وكما هو معلوم فإن الصراع العربي الإسرائيلي هو نتاج توتر سياسي وصراعات عسكرية ونزاعات بين عدد من البلدان العربية وإسرائيل ، ظلت جذورها مرتبطة بظهور الصهيونية وبروز القومية العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وكانت القضية الفلسطينية هي الأساس في تأجيج العداء العربي لإسرائيل بسبب ظلم هذه الأخيرة وجورها المدعوم غربيا من أجل إستحداث كيان غريب على أرض فلسطين ، ذلك الكيان الذي تحول إلى سرطان ينهش الأمة العربية وينال من مناعتها التي كانت عصية على الإختبار والمساومة في مرحلة من مراحل هذا الصراع المرير .
تاريخيا تعتبر فلسطين الوطن التاريخي للفلسطينيين ، الذين عاشوا فيه منذ آلاف السنين، وفي المقابل يعتبر اليهود بأنهم وعدوا بهذه الأرض وفقًا لنصوص في التوراة، وفي السياق الإسلامي تعد فلسطين أرضا إسلامية لا غبار على إنتمائها العربي والإسلامي ، ولا على معالمها الدينية المقدسة المشهورة.
لقد نشأ الصراع الطائفي بين اليهود والعرب الفلسطينيين في أوائل القرن العشرين، وبلغ ذروته في حرب واسعة النطاق عام 1947 ، أين تخللته حملة تطهير عرقي وتهجير كبير للفلسطينيين من مدنهم وقراهم، وهو ما أدى في ما بعد إلى الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في مايو من العام 1948 عقب إعلان قيام دولة إسرائيل .
ومنذ ذلك الزمن شهد الصراع العربي الإسرائيلي خمس حروب كبرى في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، راح ضحيتها ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وبلغ مجموع ما أنفقته أطرافها المتطاحنة حوالي 300 مليار دولار، بما في ذلك الخسائر المادية الناتجة عن العمليات الحربية، التي أدت نتائجها إلى تغيرات أساسية على ساحة الصراع، تفاوتت من حرب لأخرى ، وكان من تداعياته إستهلاك الكثير من الوقت في إتجاه سلام زائف ، كان من نتائجه إستفحال الهوان بين الدول العربية ، وإقدام إسرائيل على قضم الكثير من الأراضي الفلسطينية لاحقا وتشريد آلاف الفلسطينيين دون أن يحرك العرب ساكنا لصد ذلك المد الأسرائلي الظالم المستباح للأرض والمنتهك لحقوق الشعب الفلسطيني في الوجود على غرار بقية الدول ، ومن هنا بالضبط بدأت قصة الثيران الثلاثة تنطبق على العرب، حين إنقسموا بين ممانع سرا وعلانية ، ومطبع في كل الأحوال ، وحائر من أمره بين هذا وذاك ، والنتيجة أن كانت الإمارات العربية المتحدة أول المطبعين جهرا في الوقت الحالي، وقد تتلوها دول عربية أخرى بدأ الواقع يكشف عن أسماء بعضها من تحت الركام ، في ما بقى التحفظ سيد الموقف لدى بعضها الآخر، ورغم ذلك يبقى الثابت والواضح والغير قابل للمساومة من بين كل هذه التوجهات العربية المختلفة ، هو موقف الجزائر، الذي كان وما زال صامدا ومناصرا للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، ذلك الموقف النابع من قيم ومبادئ الثورة الجزائرية ، والذي لم يتغير عندما ضاقت بالجزائر السبل ولا عندما تعرجت بها الاسباب ، فمن سيحاكي الإمارات من الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل اليوم إذن؟ ومن منها سيتأفف من الخيانة مثل ما فعلت الجزائر دوما يا ترى ؟ ومن منها سيظل نائما على الضيم مفرطا في نخوته العربية وفي أمجاد امته الخالدة ؟
الأيام القادمة كفيلة بكشف هذا التصنيف الذي بدأ يتجلى في الواقع العربي اليوم، والذي فرضته المصالح من جهة والتخاذل من جهة أخرى ، وتحسب له أهل القيم والمبادئ من جهة ثالثة مخافة من خيانة التاريخ وتزوير الحقائق .
مهما يكن من أوجه لدى العرب ، سيبقى الحق قائما ولو دارت عليه الأيام ، وسيذل الخونة والمترددون الذين يخشون في الوفاء بالعهد وقول الحق لومة لائم ، وبالأحراى إذا كان اللائم عدوا جائرا ومن يقف إلى جانبه في الظلم والطغيان .
بقلم : محمد حسنة الطالب .