*- العودة من ميدان المعركة…
بعدما تفرقت السيارات في صحراء انشيري، بتنا ليتنا في سفر طويل، قطعنا مسافات بعيدة حتى طلعت الشمس بنهار جديد، وجدنا انفسنا بالقرب من سلسلة الكثبان الرملية المعروف (بالذراع) ازفال، والذي كان يفصلنا عن اوشيش بوطلحة، هناك حيث نفدت محروقات سيارة المحطة التي كنت من ضمن ركابها مثل اكدت لك من قبل، وقد تحولت اليها بامر من الشهيد الولي رحمه الله ونحن في طريقنا الى تفجير انابيب الماء عند بنشاب.
تغلغلنا مسافة اثنين كلم بين الكثبان حيث وصلنا الى الطلحة الوحيدة هناك، وكانت ترافقنا سيارة لاندروغير تحمل سلاح دوشكا على متنها، لم نستطع ان ناخذ منها ما نوصل به سيارة المحطة الى ذلك المكان، اكدوا ان السيارة لا تحمل الا القليل ويجب ان نحتفظ به للطوارئ، اضطررنا إلى ان ندفعها بايدينا على طول تلك المسافة كلها.
وصلنا الى تلك الطلحة الوحيدة، وبدأنا في اعداد ما يقينا حر الشمس اللاهبة، صنعنا ظلا رغم ان المعنويات كانت منخفضة جدا، والكل منشغل ومرتبك نظرا لما الت اليه حالنا من تفرق وتشتت عن رفاقنا، وغلقنا المتزايد على الآخرين الذين لا ندري هل سلموا ام ماذا جرى لهم.
قضينا هناك نهارا طويلا مشمسا حارا كئيبا اعتبره من اتعس الأيام في حياتي.
السيارتان الاخريتان اللتان افترقتا معنا، هما سيارتان اصلا للجيش الموريتاني تم غنمهما، سيارة الشهيد وليده وهي جيب كورطة تعمل بالمازوت (كزوال) غنمت في معركة ميجك كما قلت سابقا، والاخرى سيارة فرقة المتفجرات ومعهم الولي، وهي سيارة لاندروفير تعمل بالمازوت (كزوال)، و التي تم غنمها في تلك المعركة على طريق اكجوجت نواكشوط.
سمعت الكثير من الاقوال المتناقضة في العدد ولاسماء، وبصفتي ضمن المجموعة الأخيرة التي افترقت معهم في ذلك اليوم ساسمي ركاب كل سيارة على حدى للتاريخ.
سيارة وليدة لاتحمل معه الا مقاتل واحد هو محمد امبارك لا اعرف اسم ابيه لانني عرفته في الطريق الى نواكشوط، ولم اتعرف عليه كثيرا.
السيارة الأخرى لاندروفير المغنومة تلك الايام ومصابة على (الرياظور) سائقها هو المقاتل عبد الله ولد احمد يحي و يلقب ب (بن سودة)، معه الولي قائد القوة قائد السيارة ويجلس بينهما دليل (امنير) يعرف الطريق اسمه احمد سالم ولا أدري ما اسم ابيه، وكان البعض يقول انه زوج المطربة بيطورة.
في المقاعد الخلفية للسيارة، عند اكتاف الولي كان يجلس مقاتل نطلق عليه اسم (زل اعلي) لا ادري اسمه الحقيقي ومعروف بين المجموعة بهذا الاسم انسان قليل الكلام.
وخلف السائق بن سودة في الجانب الآخر يجلس باب احمد ولد بشر ولد حيدار المعروف ب (حرمة) وبجانبه السام ولد ابراهيم السالم ولد ميشان صديقي شخصيا وعضو من طقم الهندسة وانطلق معي في نفس اليوم من مدينة العيون، وبجانبه سيداحمد ولد القائد صالح ولد بيروك ومعروف ب (الدحه) صديقي ورفيقي ايضا ومنطلق معي في نفس اليوم من مدنية العيون، وياتي بعده حمد ولد عبد الحي ولد شكاف وهو ايضا صديقي ومنطلق معنا في نفس اليوم من مدينة العيون، وبجانبه مقاتل اخر اسمه الديه اصلا من مدينة العيون ولا اعرف اسم ابيه لكن والده كان ضابطا في الشرطة الاقليمية الاسبانية Policía terrotorialb وكان يسكن في حي المقبرة (el barrio cementerio) بمدينة العيون.
هؤلاء هم مجموعة الولي وعددهم احدى عشر واستشهدو جميعا في ذلك اليوم رحمهم الله جميعا بالاضافة الى وليدة و رفيقه في السيارة الاخرى.
عندما وصلنا الى ذلك المكان كان عددنا 16 عشر او 17، لا اعرف الجميع باسمائه نظرا لانضمامي المتاخر بالمجموعة.
ارسلنا بعض الرفاق لاستطلاع بئر اوشيش بوطلحة، وهو بئر يقع بين كثبان رملية كبيرة جدا جهته الشرقية فيها سلسة هضاب تمتد على مسافة كليمتر ونصف، وجهته الغربية كثبان رملية (ذراع)، استلطع زملاؤنا المكان وقالوا انهم لم يرو شيئا في محيط البئر، ووضعنا حراسة على قمة احد الكثيان الطويلة بالتناوب نظرا للحر الشديد.
في ظهيرة ذلك اليوم اخبرنا الحارس انه رآى شيئا ما يتقدم ولكنه غير متأكد، فقال بعض الرفاث فلان غير متاكد ورؤيته ضعيفة وعليكم ان ترسلوا اليه من بؤكد الرؤية، ذهب احد الرفاق وقال انهم قادمون تجهزوا في وضعية القتال.
توزعنا على الكتبان وكان التراب ساخنا جدا والوقت شديد الحرارة والشمس كانها لهيب فوق رؤوسنا، وما علينا الا الصبر و المواجهة.
في تلك اللحظات اقترت سيارة و اذا بها سيارة احمد القايد صالح ومعه احمد بنجارة، سالونا هل معنا الولي وقلنا لهم انه ليس معنا واكدوا لنا انهم لم يجدوا خبره منذ الامس، كانت هذه اولى الاخبار نزلنا جميعا من قمة الكثيب الى السيارات.
كانوا في تلك السيارة هم الاثنان واربع مقاتلين اخرين، لم اكن اعرف منهم سوى احمد القايد، الذي اخبرنا انهم تركوا القوة عند السبخة غير بعيدة من هنا، وان المحروقات على وشك النفاذ وانهم ذاهبون ليجلبوا براميل مخبأة في مكان غير بعيد من هنا.
للعلم احمد القايد صالح هو قائد القوة الآن، لانه كلفه الولي عند بئر بنشاب بقيادة القوة اثناء العودة حتى يلتحق بهم باقي المجموعة.
اكد لنا انه اعطى اوامره لباقي القوة انه في حالة الهجوم عليكم بعدنا المهم ان تحاولوا ان تنسحبوا دون خسائر بشرية، وهذه الشاحنات تحمل من المازوت ما يوصلكم الى الرابوني وزيادة.
انطلقت مجموعة احمد القايد وتركونا في مكاننا نتبادل الاراء، قلت لهم يجب ان ننضم الى القوة عند السبخة، ونكون مع رفاقنا قال البعض لا، لايمكننا يجب ان نواصل مسيرنا لوحدنا لانه يبدو ان الكل يبحث عن طريق الوصول والنجاة بطريقته الخاصة.
قلت لهم انا شخصيا لن ابقى هنا وسالتحق بالقوة الكبيرة، و انه لايمكن ان ابقى معهم وانني سانضم الى الرفاق في السبخة، كان معي صديقي وهو اكبر مني سنا واسمه فظلي ولد اعلي امبلال، اعرفه من العيون لا اعرف فيه الا الخير، وقد تعلمت منه الكثير، وسابقى اذكره ما حييت، قال لي ساصاحبك ولن ابقى انا ايضا، عندما ابتعدنا امتار من المجموعة التحق بنا رفيق اخر اسمه امربيه مجروح على اليد، جراء قصف الطيران لنا قبل ذلك بيوم، حيث خرجت طلقة من كف يده اليمنى ووضعنا عليها بعض الكمادات، قلنا له ان الحرارة شديدة ولا يمكنه مرافقتنا والافضل ان يبقى مع الرفاق، ويمكن ان ينزف جرحه لا اعرف اسمه الكامل لكنني اعرف انه استشهد في عملية فاتح ماي 1977 في ازويرات.
انطلقنا مشيا على الاقدام وبعد قليل ادركت ان سلاحي ثقيل، وقررت ان استبدله لاحد الرفاق بسلاح اخف (كلاشنكوف) رجعت الى المجموعة واستبدلت سلاحي مع المقاتل محمد عالي ولد ميان، الذي اسر من طرف القوات الموريتانية فيما بعد، واطلق سراحه ولا زال على قيد الحياة.
ترددت مرة اخرى ورجعت واعطيته سلاحه واخذت سلاحي، والتحقت بالمجموعة، كنت حافي القدمين، قطعنا مسافة وجدنا بعض امتعة سيارة الرفاق الذين مروا علينا وفيها ماء ملئنا اناء واضفنا عليه قليل من مسحوق الحليب، لكنه كان ساخنا وتركناه وواصلنا مسيرتنا.
تركنا امتعة السيارة كما كانت وواصلنا مسيرنا في اتجاه المجموعة عند السبخة، والتي تبعد عنا مسافة غير بعيدة.
بعد قليل ظهر لنا احد الرفاق وهو الحارس على قمة اطول الكثبان الرملية امامنا، وبينما نحن نقترب سمعنا انفجارا واصوات طلقات وتريثنا قليلا، كان الصوت في اتجاه المجموعة التي تركناها عند الطلحة وهي مجموعتنا التي غادرناها قبل قليل.
يبدو انهم انكشفوا وكل ما في الامر انه كانت هناك دورية موريتانية في المحيط، ولاحظت سيارة احمد القايد صالح ورفاقه وهي تغادر المكان، وكانت تسير بسرعة كبيرة واكدوا انها إما ان تكون منسحبة من ميدان معركة او مسرعة للابلاغ بامر ما.
تتبعوا اثرها ووصلوا الى رفاقنا الذين تركناهم بالقرب من الطلحة في ضواحي اوشيش بوطلحة، وكانت تلك الرصاصات هي تبادل اطلاق نار بين القوة الموريتانية رفاقنا.
وصلنا الى القوة الصحراوية، وجدنا منهم من هو منهمك في إخراج احدى الشاحنات المتوغلة في طرف السبخة، والبعض ينال قسطا من الراحة في ظل الشاحنات الاخرى.
اتعبنا المشي حفاة، وتشققت ارجلنا ولم نستطع الاقتراب من السبخة، لانها تحتوي على الملح، وتؤلمنا ارجلنا عند ملامسة رمال السبخة المالحة.
اعطاني احد الرفاق حذاءه ولم استطع ارتداءه فحملونني واجلسوني بينهم، وبدانا نتحدث ونتساءل عن الولي ورفاقه الذين افترقوا معنا، هل نجو، ام اسروا ام استشهدوا، اكد الجميع انه لم يراهم بعد ذلك الانفجار عند بئر بنشاب. لان موريتانيا لم تذكرهم في اخبارها وذلك ما زادنا غلقا.
وبينما نحن نتبادل هذا الحديث تفاجأنا باحد الحراس يخبرنا بأصول القوة الموريتانية وضرورة اخذ التشكيلة الدفاعية.
كانت سيارة الدوشكا التي تركناها وراءنا عند مجموعتنا الاولى لاتزال تحمل القليل من الوقود البنزين (اصانص)، وكانت تحمل اثنان فقط، وتعطلت قبل ان تصلنا ونحن في السبخة، قفز منها الرفاق الاثنان احدهما رايته وهو ينزل من الكثيب رفقة الحارس في ذلك المساء، وكانت الخفارة في مقاتل نطلق عليه اسم (ازغيلين) ولا نعرف له الا هذا الاسم اعتقد انه لازال على قيد الحياة.
اخذنا مواقعنا وتبادلنا النار ورجعوا ادبارهم واختبؤوا وراء الكثبان.
لكن الحقيقة انهم اختفو وجمعوا باقي قوتهم، وبما انهم يعرفون الارض التفوا من وراء الكثبان، وهجموا علينا من الخلف حيث كنا نترقب ظهورهم من تجاه الشرق، واذا به احد الرفاق يقول انهم قادمون من جهة الشمال الغربي، وتتقدمهم الدبابات.
ومن سوء حظنا انه لا توجد لدينا سوى قذيفة واحدة من قذائف (ار. بي. جي) عند مقاتل رامي بازوكا اسمه شيخونة ولد هيداني، استشهد بعد ذلك في الناحية الثانية، ومعمر تلك البازوكا السالك ولد افديد، لازال على قيد الحياة.
اسوأ ما وجدناه هو انه في محيطنا كانت تسع سيارات كلها معطلة بسبب انعدام الوقود لانها تعمل بالبنزين (اصانص) .
اختلطنا مع الدبابات و التي شل مفعولها بحكم انعدام مسافة التسديد، لانها لا تقدر على الرمي عن قرب، كنا نقذف عليهم اول الامر بسلاح 75 مم، كان يرمي عليه الشهيد كريس رحمه الله، و تعطل وحاول مع رفاقه اصلاحه كي يواصلوا ضرب الدبابات، وانضم اليهم احد الرفاق الذين وصلوا في سيارة الدوشكة، كنا نطلق عليه اسم (جن امقس) هكذا يعرفه الرفاق، لأنه خفيف الحركة و نشط، وقال انه يعرف اصلاح السلاح وفعلا اصلح العطل، وانفجرت القذيفة التي كانت قد علقت في ماسورة السلاح، وادى ذلك الى استشهاد اثنان من الرفاق على اثر ذلك الأنفجار رحمهم الله.
في تلك الاثناء لم يستطعوا دفن الشهداء، لانهم باغتتهم القوة الموريتانية، وتركوا السلاح وابعدوا الشهداء عن موقع الانفجار.
ذهبنا الى الشاحنات التي كانت جاهزة للانطلاق وبقيت سيارة لاندروفير واحدة فقط هي التي تتحرك كانت تحمل سلاح دوشكة، وهي نفس السيارة التي كان يرمي عليها الولي رحمة الله عليه في ليلة المعركة الاولى بين اكجوجت انواكشوط، وكان يقودها انذاك المقاتل رشيد ولد البخاري ولد لحبيب استشهد في عملية بئر ام قرين بعد ذلك بشهور رحمه الله.
تلك السيارة كانت لا تحمل من المحروقات البنزين (اصانص) الا القليل، لا يمكن ان تسير به الى اي اتجاه كانت سيارة انجليزية الصنع لها خزانين احدهما أمامي يحمل اقل من الخزان الخلفي.
جاءت فكرة للرفاق فملؤوا الخزان الخلفي ذو السعة الاكبر من المازوت (كزوال) والامامي فيه القليل من البنزين (اصانص) يستعمل فقط لإشعال المحرك، وبعد ذلك يتم تحويل محرك السيارة للتزود بالمازوت (كزوال) ولكن مشكلتها انه كان صوت المحرك يزداد قوة كلما تزودت اكثر بالمازوت (كزوال).
اسرع الجميع الى الشاحنات، وعندما اقتربت من الشاحنة لم اجد قنينة الماء الخاصة بي، والتي كنت اربطها بحزامي ورجعت قليلا فوجدتها، على الاثر والتقطتها بسرعة والتحقت بالرفاق، عندما وصلت الى الشاحنة وجدت الكل قد صعد الى الشاحنة الا رجل واحد وجدته لم يصعد كان الاب محمد لمين ولد الرشيد والمعروف باسم (ابّابٌا) (بتشديد الباء) رحمه آلله، ناولني مسدس و قال لي اترى تلك الحجارة فإن وراءها الاسير الموريتاني الذي كنا ننقله معنا عليك التخلص منه، او تجلبه لنرحل به.
قلت له لا والله لن اتخلص منه، لا يمكنني ذلك اتركه وشأنه وهيا بنا نرحل.
قال لي (ابابا) مالك، لماذا لا تتخلص منه، وهو يضحك رحمه الله، قلت له لا يمكنني ذلك.
كان الاسير احد الزنوج الافارقة (لكور) ولا يعرف إلا الفرنسية قلت له بلغتي الفرنسية انذاك ولا تزال هي نفسها اليوم لانها لن تتطور، وضحك محدثي محمد ادويهي:
قلت له ما معناه نحن سنرحل ويجب عليك ان تبقى في مكانك الى الغد حتى لا يراك رفاقك و يقتلونك بالخطأ هل فهمتني، سنتركك هنا الى اللقاء.
انطلقنا ليلا بتلك الشاحنات والسيارة وبتنا نطوي الصحاري شرقا، ونبتعد قدر الامكان عن كل القرى او الاضواء حتى وصلنا الى منطقة لحمامي جنوب شرق ازويرات، واصبحنا نرى جبل زادناس واصبحت السيارة تصدر صوتا قويا، ولم تعد قادرة على مواصلة السير مع الشاحنات.
قررنا ان نركن السيارة ونخبئها بين بعض الاجراف جنوب زادناس، ونزعنا سلاحها دوشكا ووضعناه في احدى الشاحنات، وواصلنا مسيرنا شرقا صباح ذلك اليوم حتى بعد الظهيرة، عندما امّنا الطريق وادركنا اننا اصبحنا في مأمن، وانه لايوجد من يتبعنا توقفنا عصرا في منطقة مفتوحة.
عيّنا مجموعة دفاعية تحسبا لأي طارئ، وتوقفنا على بئر وجدنا عليه ثلاث او اربعة زول، يبدو انها اتعبتها الشدة والجفاف.
كان البئر طويلا، ولاندري هل به ماء ام لا، جمع بعض الرفاق عمائمهم ليصنعوا دلوا، اخرجنا منه بعض الماء كان مرا مالحا غير صالح للشرب، هذا البئر لم نمر عليه في رحلة الذهاب ولا اعرف اسمه.
بتنا ليلتنا بالقرب من ذلك البئر المهجور، وقام بعض الرفاق بنحر احدى تلك الزول، ولم تكن لدينا طناجر ولا اواني كي نطبخ، واستخدمنا طريقة الشي على النار مباشرة، الكثير منا لم يستصغ الاكل، لاننا محزونون على فقدان رفاقنا وعلى رأسهم الولي الذي لم نسمع عنهم اي خبر حتى ذلك الوقت.
في اليوم الموالي قررنا ان نستريح في نفس المكان، وعند الظهيرة وبينما نحن نتبادل اطراف الحديث، راينا الغبار يتصاعد واخبرنا الحارس الذي كان يراقب الوضع من على سقف احدى الشاحنات، بان هناك قوة قادمة من جهة الجنوب وعلينا ان نأخذ مواقعنا.
اخذ الجميع مواقعه وبعد قليل ظهرت لنا سيارتان ومن بينهم السيارة التي تركناها في الطريق، والتي هي السيارة الوحيدة التي رافقتنا من السبخة.
للعلم ان سيارات لاندروفير التي شاركنا بها في الهجوم على انواكشوط، تمت صباغتهم على نوعين صباغة الجيش الموريتاني ولونها طيني يميل الى الاحمر ، وصباغة قوات (الكرد) le gard رمادي يميل الى الترابي، وتحمل ترقيم موريتاني يحمل الهلال والنجمة الصفراء، وعلى جنبات السيارة قِرب ماء مثل سيارات الجيش الموريتاني تماما، كنا نعمل من خلال ذلك على التمويه حتى وصول الهدف.
كانت تلك السيارة فقدت الصباغة في بعض اجزائها، جراء ماتعرضت له من ظروف القتال و الرياح وغيرها من الظروف الصعبة.
عرفنا السيارة وتأكدنا انهم رفاقنا واذا به احمد القايد صالح و رفاقه، واكدوا لنا انهم وجدوا اثار الشاحنات، وعرفوها وتاكدوا اننا تركنا الشاحنة الثالثة وتبعو الاثر حتى وصلوا الى السيارة.
قال لنا احمد القائد ان ننطلق جميعا نحو ام اقريد، وهي المكان الذي انطلقنا منه نحو انواكشوط.
عند وصولنا تفاجئنا بوجود الكتيبتين اللتين انطلقنا لضرب انواكشوط، احداهما انطلقت الواحدة ليلا من يوم السابع من يونيو 1976، و الاخرى تبعتها بحوالي 12 ساعة اي في الثانية عشر زوالا تقريبا، من اليوم الموالي وبقينا ننتظرهم.
الاولى لم تجد اي مقاومة، حيث ضربت المواقع المحددة، وخاصة القصر الرئاسي في نواكشوط وعادت ادراجها.
اما الدورية الثانية فقد تشابكت مع القوات الموريتانية، واصيبت احدى سياراتها وكانت تحمل سلاح ثقيل بي 10، واستشهد احد افراد طقمها، واسر اخر، واستطاعت الدورية ان تنجد اثنان اخران قبل ان تصلهم القوة الموريتانية.
اقمنا يومنا وليلتنا في ام اقريد، وفي منتصف الليل تقاجأنا بقافلة من السيارات و الاضواء القادمة من جهة الشرق، قال البعض لا يمكن ان تكون هذه قوات موريتانية لكننا اخذنا مواقعنا تحسبا لاي طارئ، تموقعنا على اطراف الطريق المؤدي الى بئر ام اقريد، وبعد لحظات تم التاكد انها قوات صحراوية، كان يقودها الشهيد البشير الصالح (جمبلا) و معه سيارات عسكرية جديدة، والتقى مع تلك القوة العائدة من نواكشوط واكدوا على انه لابد من العودة الى انواكشوط ونعرفة مصير الولي ورفاقه، وكلفت الدوريتين اللاتي جاءت قبلنا، وكلف المقاتل عبدربو، باختيار 14 مقاتل من تلك الشاحنات وتم اختياري من ضمن المجموعة، عدنا فورا الى مهمام اخرى وتلك حكاية اخرى.
انطلقنا من جديد، وكلنا امل ان نسمع خبرا مفرحا عن الولي ورفاقه كان ذلك فجر الرابع عشر او الخامس عشر من يونيو 1976.
هذه الشهادة اجزم على انها شهادتي انا محمد ادويهي وهو ما رايته بأم عيني، ولم انقل لك الا ما حضرته وشاهدته، الا بعض الحديث على لسان الولي وكان من فمه الى مسامعي او في اطار توجيه المجموعة.
تحقيق: بلاهي ولد عثمان