قصة عملية نواكشوط .. سرد جزء من احداث العملية على لسان المقاتل محمد ادويهي.
*- الجزء الاول ... تحقيق: بلاهي ولد عثمان
في إطار تدوين ملاحم التاريخ، و بمناسبة يوم الشهيد الذي يصادف التاسع من يونيو الذي يوافق يوم استشهاد الشهيد الولي مصطفى السيد مفجر الثورة ومؤسس جبهة البوليساريو ومنظر الفكر الصحراوي التحرري، على خطى الفقيد محمد سيدابراهيم بصيري، ارتايت ان احاور احد مقاتلي جيش التحرير الذين شاركوا في عملية نواكشوط التاريخية، وهو المقاتل محمد ادويهي، حيث طلبت منه أن يحكي لنا قصة المعركة منذ ان تجاوزت الكتيبة الصحراوية مدينة اكجوجت في اتجاه نواكشوط وما صاحب ذلك من احداث.
محمد ادويهي من الفرقة الخاصة التي تلقت تدريبا خاصا من اجل مهمة ظلت سرية، حتى اخبرهم الولي نفسه ان المهمة تتمثل في ضرب العاصمة الموريتانية.
لقد كان شرف كبير ان اشارك في عملية نواكشوط ضمن كتيبة خاصة من جيش التحرير الشعبي الصحراوي، اسندت لها هذه المهمة تحت قيادة قائد الثورة و مفجرها ورئيس الجمهورية انذاك الشهيد الولي مصطفى السيد.
إن معرفة التاريخ وحفظه، مهمة الجميع سواء من شارك او لم يشارك في تلك الاحداث، وكل انسان يقدم شهادته حسب ما راى و ماعاش من احداث، وتبقى الشهادات تكمل بعضها البعض حتى تكتمل الصورة النهائية للحدث.
نحمد الله انه حالفنا الحظ ان نشارك في بدايات الثورة الى جانب ابناء شعبنا من مقاتلين وسياسيين ومواطنين وغيرهم وذلك فضل من الله.
انضممت الى الكتيبة قبل موعد الانطلاق باسبوع واحد، مع مجموعة من رفاقي الذين استشهدوا في تلك العملية، كان معظم التدريب هو التحمل و الخبرة العسكرية.
جاء بنا الشهيد الولي من الرابوني ونحن لازلنا شبابا في مقتبل العمر، وطلب منا الانضمام للمجموعة و تم ابلاغنا بالمهمة رسميا قبل انطلاقها بيومين فقط.
تم توزيع الكتيبة الى اربع فصائل ثلاث منها قتالية و واحدة فدائية.
و تتكون الفصيلة من خمس سيارات، سيارتين للمشاة، وسيارة تحمل سلاح (الدوشكة) و اخرى تحمل (بي ديس- B10) او سلاح 75 مم و السيارة الخامسة تحمل قطعة صغيرة اظن انها (ماك MAG) وكل السيارات تحمل اسلحة (ار بي جي 7) (بازوكا) و القنابل اليدوية بالاضافة الى الاسلحة الفردية المتمثلة في سلاح كلاشينكوف وبعض القطع الخفيفة.
عملية نواكشوط عملية معقدة، لا يمكن لاي كان ان يسرد أحداثها من زاوية واحدة لأنها شهدت احداث متوالية ومترابطة.
إن تسجيل الاحداث يختلف من فرد الى فرد، لقد سمعت الكثير من الاحداث و القصص التي رواها لي بعض الرفاق شارك معنا في العملية نفسها، ولكننا نحترم شهادته لان المعركة كما قلت شهدت فصول متوالية واحداث متتالية تختلف روايتها من شاهد الى شاهد.
بعد وصولنا الى ضواحي مدينة اكجوجت و
في تلك الليلة المؤرخة بليلة التاسع من يونيو التي سبقت يوم معركة نواكشوط، وبعد إحراق شاحنات على الطريق التي كانت تحمل وقود متوجهة الى شركة النحاس في اكجوجت التي تم حرقها عند احدى الاستراحات على الطريق وليس بعيدا من المدينة.
وبعد اشتعال الشاحنات وعلم الجميع بالامر ولم تعد الدورية المتجه الى نواكشوط تخفي امرها، جاءت الأوامر من الولي نفسه وسمعتها من فمه الى اذني، لانني كنت اتواجد ضمن مجموعة القيادة القريبة منه.
طلب منا الولي ان تصطف السيارات في طابور واحد توضع في نهايته الشاحنات من نوع (برلي) ذات الاربع عجلات، وينطلق الجميع على الطريق المعبد المتجه غربا نحو نواكشوط.
ركب الحاج بداتي رحمه الله قائد الكتيبة في السيارة الاولى التي كنت من ضمن طاقمها مع بعض الرفاق.
كانت مهمتنا دراسة الطريق قبل رتل السيارات الذي يفصلنا عنه مسافة من 2 الى 4 كلومتر كمسافة امان.
كانت مهمتنا ان نستوقف كل سيارة قادمة من نواكشوط، ونفتشها ونعرف محتواها وركابها ونسلمها لرأس الرتل اي للسيارة الاولى، وبهذه الطريقة اوقفنا عدة سيارات كلها مدنية.
استمرت العملية هكذا حتى اكتشفنا ان هناك رتل من السيارات يبدو انه يسير بنظام و له اضواء متساوية الا السيارة الاولى يختلف ضوؤها عن باقي السيارات.
ادركنا انه من الممكن ان تكون قوة عسكرية، تشاورنا فيما بيننا واتفقنا على ان نتمركز في الجهة الشمالية من الطريق، آخذين بعين الاعتبار أنه في حالة تم الاشتباك يكون تجاه اطلاق النار واحد.
اخذ قائد الكتيبة الحاج بداتي – رحمه الله – (دراعة) بيضاء ولبسها واخفى لباسه العسكري و سلاحه تحتها، ووقف على الجانب الايسر من الطريق (الجهة الجنوبية من الطريق المعبد) وبعد قليل توقفت السيارة الأمامية للرتل القادم من نواكشوط، وكانت سيارة من نوع لاندروفير تابعة للدرك الموريتاني في مقدمتها السائق واخر معه، كنا نظن انه احد قادة الدرك، وفي جزئها الخلفي اثنان اخران من عناصر الدرك يحملان جهاز اللاسلكي، لاحظنا ذلك لأن انوار السيارة الداخلية كانت مضاءة عندما كان يتبادل الركاب التحية مع الحاج بداتي.
كنا نحن نختبئ وراء شجيرات كثيفة على جانب الطريق من نبات (الفرنان) وكانت المنطقة شبه مغطات بتلك النباتات وكنا في حالة تأهب قصوى.
كانت لدينا اسلحة فردية، منها قطع من (ار بي جي) وقطع من كلاشنكوف، وموجهين اسلحتنا باتجاه المركبة واتجاه القوة التي كانت تبعد عنها بحوالي 1000 متر تقريبا.
بعد تقدم السيارات من جديد توقف الرتل على بعد 500 متر تقريبا من السيارة الاولى.
اثناء تبادل الحديث مع الحاج يبدو انهم عرفو انهم وقعو في فخ، حاول السائق الهروب بالسيارة في اتجاه الجنوب مما اضطرنا الى اطلاق النار على السيارة واصابة الجنديين الذين في مؤخرتها.
ومن اجل صد السيارة وعدم تركها تعود الى نواكشوط قمنا بعملية مطاردة لها حتى منعناها من العودة الى نواكشوط، ورجعت ادراجها وانضمت الى الرتل الذي كانت في مقدمته، ووجهنا ضرباتنا الى الرتل، في ذلك الوقت ادركت الكتيبة الصحراوية اننا اشتبكنا مع قوة و بدات هي الاخرى بإطلاق النار في اتجاه رتل السيارات القادم من نواكشوط.
بعد ما اخذنا مواقعنا لاحظنا ان الشهيد الولي التحق بنا دون ان نشعر به عرفناه وهو يرمي على (دوشكة) من سلاح احدى الفصائل ويرتدي سلهامه الاحمر اللون على جانب الطريق في احدى السيارات.
لما اقترب منا طلب ان نجمع كل السيارات في إتجاه واحد حتى نركز ضرباتنا في الاتجاه الاخر.
بدأنا نجمع السيارات، كانت احدى السيارات التي تعطلت يقودها حمادي فراجي وكان سائقها احمد ولد الطيب ولد اليزيد، في النهاية تم جمع كل سيارات القوة الصحراوية وكانت تلك الاضواء القادمة من نواكشوط هي عبارة عن شاحنات من نوع مرسدس 11- 13 محملة بعساكر، تمركزت القوة الموريتانية وتبادلنا معها اطلاق النار.
حينها امر الشهيد الولي بجمع فصيلة حمادي ولد فراجي المعروف ب(بالبايفو) – شفاه الله – كانت الفصيلة المذكورة تتكون من خمس سيارات وجدنا منها اربعة فقط والخامسة لم نتمكن من الوصول اليها.
كانت السيارة الخامسة بقيادة الشهيد عبدربو ولد الخنشي – رحمه الله – و سائقها شهيد اخر هو لعروسي ولد حمية.
بعدما تم جمع السيارات قال لنا الولي يكفي هذا العدد واخذ بيده اليمنى يد سيداحمد الركيبي ولد لدور وبيده اليسرى اخذ يد حمادي فراجي واتجه بهما عدة خطوات على الطريق المعبد ونحن نستمع لما يقول حيث قال بالحرف الواحد” يا سيداحمد الركيبي كم تبعد نواكشوط من هذه النقطة من كلومتر”، رد عليه ” لا تتعدى 120 كلم”
اذا عليكما انت وحمادي وبهذه السيارات ان تنطلقو نحو نواكشوط ويجب ان تكتب الصحافة الدولية غدا و بالبند العريض على كافة صفحاتها ان جبهة البوليساريو قصفت العاصمة الموريتانية نواكشوط ولو بطلقة مسدس واحدة”.
المهم ان يعرف العالم ان البوليساريو ضربت نواكشوط.
هل تعرف هذا المكان الذي نحن فيه الآن قال نعم هذه ام التونسي.
اذا سننتظركم غدا على الساعة التاسعة ليلا هناك في تلك المنطقة (اكرارة) ام التونسي نتمنى لكم التوفيق.
ضمهم الى صدره وودعهم جميعا وانطلقت المجموعة على بركة الله وبقينا نحن ننتظر هناك وللحديث بقية.
هكذا حكى لنا المقاتل محمد ادويهي تجربته وشهادته عن تلك الليلة التي وصفها بالباردة شيئا ما، لان تيارات المحيط الاطلسي الباردة التي يتمنى اهل نواكشوط ان تستمر لتخفف عنهم سخونة تلك الليلة التي اصبحت مسجلة في التاريخ، كانت بالنسبة لرفاق محمد دويهي باردة لانهم لم يعتادو على نسائم المحيط منذ زمن غادروه عندما ودعوا شواطئ مدينة العيون منذ شهور.
*- الجزء الاول … تحقيق: بلاهي ولد عثمان