بوريطة و اخر الدواء الكي.
بقلم محمد فاضل محمد سالم
ليس بالشيء الجديد أو المثير للإستغراب إذا قايض النظام المغربي القضية الفلسطينية وتاجر بها في سوق النخاسة و هو الذي ظل يُهندس لإسرائيل سياستها في اختراق الجسم العربي و الإسلامي و ترويضه للتطبيع التدريجي مع الكيان الصهيوني. إن التنسيق بين الرباط و تل أبيب على أكثر من صعيد كان دائما موجودا منذ مشاركة الموساد سنة 1963 في اغتيال الزعيم المغربي المهدي بن بركة الى تسليم اسرار القِمم العربية التي تُعقد في المغرب لتل أبيب الى جر مصر الى كامب ديفد و فرض عليها الخنوع النهائي بعدما كانت رأس الحربة في الدفاع عن القضايا العربية.
لقد سال كثير من الحبرهذا الأسبوع حول تأييد المغرب لما يسمى “بصفقة القرن” و كيف أنه حاول بكل وقاحة الإستفادة منها على حساب الأشقاء الفلسطينين الشيء الذي عكس ردود فعل مستنكرة و منددة من داخل المغرب و من خارجه، دفعت بالسي بوريطة ذا العقلية المخزنية الى التهجم على المغاربة بقوله: إن فلسطين ليست قضيتكم الأولى، و انه هو لن يكون فلسطينيا أكثر من الفلسطنيين أنفسهم، في وقت أن المطلوب من السي بوريطة هو أن يكون مغربيا فقط و أن لا يرهن بلاده للترامب و نتنياهو وماكرون وغيرهم و يبيعها في واضحة النهار بأبخس الأثمان.
لقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائلية و الأمريكية وغيرها المقايضة “الغريبة-العجيبة” التي أقدم عليها المغرب بتسليم فلسطين لإسرائيل مقابل فتح قنصلية للولايات المتحدة بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية و ذلك ضمن صفقة القرن (وهو الموضوع الذي تعرضنا له باسهاب في مقال سابق مؤرخ بيوم 13/ 02/2019تحت عنوان: قضية الصحراء الغربية في عين إعصار صفقة القرن)، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو، ليس سياسة الإبتزاز و التحايل و الخبث و المكر فهذه عقيدة المخزن وركن من أركان سياسته الخارجية، بل ماهي خلفية الهستريا و الجنون و الهوس الذي أصاب الساسة في المغرب منذ عدة شهور؟ نرى وتيرة الدبلوماسية البوريطية تسير بسرعة مفرطة في موضوع الصحراء الغربية، مالسبب؟ مالفائدة في فتح دكاكين جوفاء فارغة سميت قنصليات بالعيون و الداخلة لا يمكنها أن تغير من الواقع القانوني و السياسي للإقليم شيئا؟ ما الربح من توريط “الكاف” في تنظيم مباريات رياضية في منطقة محتلة ترجع سيادتها لدولة عضو في الإتحاد الأفريقي؟ بل من سيعترف له بترسيم حدود بحرية في مياه إقليم لا يعترف له أحد بالسيادة عليه؟ و التباكي على الترامب و استجداء نتنياهو الا يعني ذلك أن تيرموميتر الحمى و الصداع تجاوزحده عند صناع القرار في المغرب؟ مادوافع هذا الهروب الى الأمام و القفز على أكثر من حبل؟
لاشك أن المملكة المغربية أدركت قبل غيرها أن المصالح الجيواستراتجية للدول الكبرى و صراع النفود في الشمال الغربي الأفريقي قطب رحاها هو”الصحراء الغربية”، في عالم أصبح متعدد الأقطاب و فرنسا المعوّل عليها، بدء نجمها الإفريقي في أفول.
فمن الضروري الإشارة إلى أنَّ القارة الإفريقية صارت ذات نفوذ متصاعد وفرصة مثمرة في العقود الأخيرة، وهو ما تسبَّب في تسارع القوى الكبرى في الحصول على المزيد من الإمكانات والفرص المتاحة. فكلما استمر الزحف الصيني من شرق القارة نحو غربها و الروسي من شمالها نحو جنوبها إضافة الى الإختراق التركي و الياباني و الإسرائيلي الا و ينكمش الإمتداد الفرنسي و يتقلص دوره في التأثير على الدول الأفريقية وما لذلك من عواقب على المصالح الجيوسياسية الفرنسية و بالتالي المصالح الضيقة المغربية.
إن فرنسا الهيكل المريض المحاصرة داخليا بشبه عصيان مدني متواصل منذ أكثر من سنة و خارجيا بتقزيم وزنها أمام صعود نجم غريمتها المانيا التي تبحث عن موطيء لها في رسم الخريطة السياسية و الإقتصادية الدولية حيث توجهت ألمانيا ببرامجها الاقتصادية نحو إفريقيا، ووضعت “خطة مارشال الإنمائية” في 2017م لدفع التنمية الاقتصادية بالقارة كحجر الأساس الأول في إطار تعزيز التعاون بين ألمانيا وإفريقيا، وألحقتها باستراتيجيَّة الشراكة مع إفريقيا في قمة العشرين 2017م. إبريطانيا من جهتها بعد تحررها من الإتحاد الأوروبي تسعى لتوسيع نفوذها مع الكيانات الاقتصادية التي تتعاون معها؛ بغرض معادلة تأثير خروجها من الاتحاد الأوروبي، وفي ضوء العلاقات التاريخية والتقارب اللغوي المشترك بين بريطانيا وعدد من الدول الإفريقية الأعضاء في “اتحاد الكومونولث”، تستطيع بريطانيا تنشيط هذه الرابطة بغرض تأمين الصفقات التجارية والاستثمارية و بالتالي يدخل منافسا قويا له روابط تاريخية و مؤسساتية مع الجانب الأنكلوفوني من القارة الأفريقية ليَضيق فكي الكماشة على فرنسا الإستعمارية في القارة في وقت يتصاعد غضب شعوب دول الساحل ضد التواجد العسكري الفرنسي ببلدانها. هذه العوامل مجتمعة و غيرها جعلت منطقة الشمال الإفريقي عاملا اساسيا في كل هذه التجاذبات و قضية الصحراء الغربية في عين إعصارها خاصة بعد عودة الجزائر القوية الى الساحة الدولية و تهميشها لدور فرنسا في الملف الليبي و التحكم في لعبة المصالحة في مالي واعتبار أمن الساحل من أمنها القومي.
من هنا يجد الساسة في المغرب انفسهم في وضع لا يحسدون عليه وذلك مايفسر النرفزة و الجنون الذي إعتلاهم منذ شهور. فالمغرب يجد نفسه قزم أمام لعبة الكبار و ليس عنده مايقدم لجلب الإهتمام، فحلم انبوب الغاز من نيجريا الى المغرب قد تبخرومساندة الرباط لدول افريقية اقتصاديا و ماليا كذبته الأيام والحصول على عضوية المجموعة الإقتصادية لدول غرب افريقيا بات حبرا على ورق و محاولاته ايجاد دور في الملف المالي تُرفض و في الملف الليبي يتم إقصائه جِهارا نهارا.وقضية الصحراء الغربية تغرقه يوما بعد آخر في بحر من الأزمات، فالى أين يتجه المغرب اذاً؟
الإعتماد على فرنسا في حمايته و الدفاع عن مصالحه في الصحراء الغربية أصبح مشكوك فيه ففرنسا تبحث عن سند يدافع عن مصالحها هي، فهي تفقد مزرعتها الخلفية افريقيا تدريجيا، و بدون إفريقيا فرنسا لا تساوي شيئا كما إعترف بذلك الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. ورغم ثلاثة و اربعون عاما من تجنيد طاقاته، المغرب لم يستطع إقناع دولة واحدة في العالم بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية فبالتالي يدفعه اليوم الطيش و الخبل و الهوس و الحماقة الى ان يلعب جميع اوراقه دفعة واحدة بالتوجه الى اسرائيل و آخر الدواء الكي كما يقال ليختار المغرب بمحض إرادته العزلة الدولية ويضع نفسه في خانة نظام لابارتايد و الإحتلال الصهيوني مما يخدم لامجال للشك، القضية الصحراوية و كفاح شعبها على الصعيد الدولي.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم