المؤتمر الخامس عشر: صحوة ضمير و نداء واجب
محمد فاظل محمد سالم
صحيح أن الشعب الصحراوي يقف اليوم على مكاسب هامة، يحق لنا فرادى و جماعات أن نفتخر بها ،نثمنها و نزكيها. صحيح أن الدولة الصحراوية حقيقة لا يمكن تجاهلها و أنها المعادلة الصعبة في لعبة الجيوستراتجية في منطقة شمال غرب افريقيا و الساحل، و صحيح -و هذا هو الأهم- أن الهوية الوطنية ترسخت و الإنتماء الى الوطن تجذر و روح المقاومة و الكفاح تنامى، بماتمليه و تخططه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب التي انتزعت ريادتها بفضل عرق مناضلاتها و مناضليها و دماء شهيداتها و شهدائها.
لكن صحيح ايضا أن السرعة التي تسير بها سفينة الثورة نحو الإستقلال بطيئة و بطيئة جدا و أن مأساة شعبنا طالت أكثر من اللازم و الطريق الى الإنعتاق و الحرية إن كان بطبعه طويل فنحن كصحرويين دون استثناء زدناه طولا و بعدا ، من جهة بتخفيض و تيرة النضال وتقليص الاندفاعة و الحماس الثوري و بالمهادنة و التعايش مع ما يمس الأهداف و المقدسات، ومن جهة اخرى بالإتكالية والصراعات الهامشية و المعارك الدنكيشوتية وتغليب الشخصي على العام. هنا تختلط الأسباب و الدوافع و المبررات ايضا، منها الموضوعي و منها الذاتي و في كل الأحوال تقع المسؤولية بدرجات متفاوتة على كل صحراوي صحراوي كل من موقعه و من مستوى الكلفة النضالية الملقات على عاتقه و لا يستثنى أحد من ذلك. ” نحن شعب لا يعرف التسول لن نتسول….، لن نرضى عن المنفى الى مالانهاية ” صرخة واجب خرجت من حنجرة ثائر إمتشق البندقية و اختار أن يستشهد ليُقلص بروحه و دمه الفارق الزماني و المكاني بين المنفى و الإستقلال ، بين “سبخة الرابوني و مسارب اعْوَيْنة بن لكَرع” و “وادي الساقية الحمراء ورمال وادي الذهب”.
إنها صرخة المتألم لآلام شعبه، صرخة الشهيد الولي مصطفى السيد في خطاب الوداع يوم 20ماي 1976. . لقد طال المنفى وتواصل التوسل. إن ذلك يحز في النفس و يوخز الضمير و ربما بمناسبة “المؤتمر-الحدث” يستفز الذاكرة الجماعية الصحراوية و يستنفر ضمائر النخب من أطر و قيادات لجعل من المناسبة نقلة نوعية نحو التسريع بإنهاء محن و آلام شعبنا ،بدحر الإحتلال و فرض السيادة الوطنية على كامل التراب الوطني.
إن الواقع الحالي يستدعي من حركتنا جبهة البوليساريو:
– التطوير الملموس لبنيتها التنظيمية و الهيكلية و لطريقة إدارتها و إن اقتضت الضرورة تغيرها بالكامل او أجزاء منها ،لتدارك النقائص و التماشي مع المتغيرات التي افرزها طول مدة اللجوء و واقع لا حرب و لا سلم . إن الأمر يستدعي من الجبهة الشعبية المضي بخطوات أكثر وضوحا من حيث الرؤية وأكثر جرأة من حيث مراجعة قانونها الأساسي وإصلاح ما بدا فيه من نقص في مجال الهيكلة والسياسات التنظيمية.
– تقليص الفجوة بين الوظيفة السياسية و الوظيفة الإدارية و ايجاد الأليات الفعالة للتكاملية و التناغم في أداء الوظفتين بما يضمن بناء مؤسسات ثابة ، واضحة المهام و الصلاحيات قادرة على التأطير و التوظيف و الإستفادة من كل الطاقات و الإمكانيات . .
– تأسيس مركز التفكير الأستراتجي يتخصص في إعداد البحوث و الدراسات اللازمة لترشيد القرار على مستوى قيادات الجبهة في المسائل الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و الإستراتجية و غيرها، تُوفر له الموارد البشرية التي يحتاج و تُرصد له الإعتمادات المالية الضرورية لعمله.
هذه مجرد افكار في عُجالة تضاف الى ما اقترحه عدد من الكتاب و المدونين الصحراويين مؤخرا مشكورين، كسند للجنة التحضيرية للمؤتمر الخامس عشر.
إن التجربة السياسية الطويلة للجبهة بسلبياتها و ايجابياتها بمكاسبها و انتكاساتها تحتاج اليوم الى حدث بحجم الثورة، تحتاج الى مراجعة شاملة و الى الشجاعة و الجرأة في اتخاذ قرار القطيعة مع الممارسات العتيقة بل تحتاج وهذا ما نسطر تحته و نكتبه بالخط العريض هو ” التشبيب”، تشبيب أداة الحركة و ضخ فيها دماء جديدة بحيث يصبح يشكل الشباب الملتزم الثوري الناضج و المقتدر، الثلثين على مستوى كافة مواقع القرار العليا منها و السفلى. يلزم أن نتنازل شيئا ما عن أنانيتنا و حب ذواتنا و أن نرافق الشباب و نمده بالخبرة و التجربة و أن نكون بجنبه حتى يتمكن من السيطرة على مقود سفينة الثورة ليُبحر بها الى شاطيئ النجاة.
إنها الدعوة التي منذ سنوات ترفعها مختلف شرائح المجتمع الصحراوي و من مختلف تواجداتها و ذلك ليس تقصيرا في حق أحد و لا تقزيما لعطاءاته لكنها سنة الحياة و ضرورة أصبحت تفرض نفسها لكسر الرتابة و الملل من طرق تسيير و خطابات سياسية أدنى مايقال عنها انها لا تساير واقع الحال.
إن السؤال الذي يتكرر دوما على أذان دبلوماسيينا سواء من طرف المبعوثين الأمميين أو من لدن وفود دول صناع القرار أو من طرف الأعلاميين الغربيين المؤثرين هو: كيف هي و ضعية الشباب عندكم؟
هذا السؤال لم يأت إعتباطيا و لا يحمل البراءة قطعا، بل سؤال يحدد معرفة أحد الأمرين : الشباب الصحراوي مقتدر، ناضج و في مستوى الإنتقال الى قيادة الشعب الصحراوي و الأخذ بيده نحو الأستقلال، فبالتالي هو المفاوض المستقبلي و هو الضامن للمصالح الإستراتجية للقوى الطامعة في نفوذ في المنطقة، أو شباب على الهامش لا تعنيه الثورة في شيئ و بالتالي عُمر القضية الصحراوية ينتهي بنهاية عُمر الجيل المؤسس، و الغرب تابع بهدوءإندثار و تحلل الأتحاد السوفيتي بعد موت رموز السُفيت.
إن المسؤولية كبيرة و الإختبار صعب فهل النخب الصحراوية قيادات و اطارات، خاصة من منها في مراكز المسؤولية قادرة على جعل من المؤتمر الخامس عشر حدث متميز في تاريخ الشعب الصحراوي بل ثورة لتصحيح اختلالات الثورة و مضاعفة وتيرة سرعتها نحو الاستقلال و الرحيل عن المنفى و نكون – ولو متأخرين- قد استجبنا لصرخة الشهيد الولي ” لن نرضى بالمنفى الى مالانهاية”، و إن كانت الحرب منعرجا لا بد منه فليكن المؤتمر القادم اول محاطات الإستعداد لها و أول مُذخر لها بالرجال و الخطط و الإستراتجيات. فهل سيصحو الضمير الصحراوي و يستجيب لنداء الواجب الوطني؟