يوم حزين .. رحيل الرجل اللطيف .. الشجاع .. سائق السيارة الزرقاء كلون السماء
عبداتي لبات الرشيد
“.. أعتقد أن اللّطف هي الصفة الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، أنا أضعها في المقدمة، قبل الشجاعة أو الكرم، أو أي شيء آخر .. ” .. روالد
قبل شهر تقريبا كنت مسافرا ومجموعة من الأحرار الى الأراضي المحررة من الوطن الغالي .. كنا مسافرين على متن تلك السيارات الزرقاء التي يقودها رجال أبطال شجعان .. وذات مساء كنا نعد الشاي تحت سماء الوطن .. كانو كلهم معي .. تذكرنا البندير .. كان وقتها لايزال بيننا لكنه كان مريضا .. كانت الآلام قد منعته أخيرا من مهنته التي أحب .. قيادة السيارة الزرقاء ونقل ضيوف ومواطني الشعب الصحراوي الى كل مكان .. كان زملاءه يتحدثون عنه بكل فخر .. كنت ألاحظ دموعهم تقترب وتقترب وهم يتذكرون عن صديقا وزميلا طرحه المرض أرضا بعد أن كان يملأ أيامهم وسفرياتهم الطويلة لطفا وشجاعة وكرما وصبرا على كل المحن والعقبات ..
غادر البندير حظية هنون عالمنا السيء وأشرقت شمس يومنا هذا لتضيء نهارا حزينا من دونه ..
لقد جسد البندير حظية الصورة الرائعة للإنسان الذي عاش ورحل مخلصا وفيا لعهد قطعه للشهداء وللوطن .. رحل البندير رحيل الكبار مناضلا شهما .. رحل كمواطن .. رحل كإنسان بسيط .. كواحد من الناس .. واحد من الشعب .. لقد رحل بعد أن عاش وتقاسم المعاناة مع أهله كرجل بسيط فكان رحيله مشرفا كقصة حياته ..
غادر البندير الطيب عالمنا بعد رحلة حياة شاقة وحزينة لعب فيها الرجل دور البطل وظل يطارد الآمال والأحلام محاولا إصطياد الزهور والورود الجميلة ومحققا الثنائية الرائعة والمزيج المفقود، رجل جيد نافع صاحب قلب أبيض طيب لطيف ..
فمن منا لا يعرف هذا الرجل اللطيف .. من منا لا يتذكر إبتساماته وكلماته الطيبة .. من منا صغيرا كان أو كبيرا لم يتوقف عليه الراحل يوما وهو يقود السيارة الزرقاء كلون السماء في الطرق الطويلة والشاقة .. من منا لم يستمتع بحديثه الممزوج دائما بملامح حزينة تشير الى أعماق رجل رائع لطيف مجتهد مناضل وشجاع ..
لقد عرف الفقيد بلطفه وشجاعته .. عرف بوقوفه الى جانب الناس في محنتهم وآلامهم وكذلك في وقت الأفراح والإحتفال ..
كان رجلا وطنيا قل نظيره ناكرا لذاته قوي الإيمان يتنقل ويقطع المسافات الطويلة والطويلة جدا ينشر قضية شعبه ويعلق علم بلده دون كلل ولا ملل ضاحكا مقدما صورة الرجل الصحراوي الوطني المقاتل الساحر المسالم القوي الرقيق ..
إمتلك الراحل قدرة كبيرة في التسلل الى القلوب .. يحتلها .. يسكنها .. لقد كان البندير من النوع الذي إذا رأيته ينشرح قلبك ويصفى ضميرك ويرتاح بالك ..
*” .. جودة العمل لا تأتي صدفة ابداً.. أنها نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، واخراج متمرس .. ” ..*
وكذلك كان البندير حظية هنون إنسانا مجتهدا في عمله طيبا خلوقا .. كان الراحل عظيما تثيره الشفقة تجاه الأغبياء من حوله الذين إفتقدوا طيبة القلب ونعمة التربية وسمو الأخلاق .. لم يؤمن يوما بنظرية أن النوايا الطيبة لا تكفي بل إكتفى الرجل بها وعاش سعيدا يوزع الإبتسامات بسخاء .. ينشر الأمل والحب والحنان في كل شبر تطأه قدماه ويترك رائحة الطيبة تعطر الأماكن والقلوب التي سكنها يوما قيد حياته الحافلة بالصبر والمعاناة والآلام ولكن بالأمل والسمو والرفعة والشجاعة والرضاء بقضاء الله وقدره ..
عزاءنا دائما من بعد رحيل إنسان رائع أن الدنيا دار فناء لا دار بقاء وأن الذين أحببناهم لا يرحلون إلا ليسكنوا القلوب أكثر وأن بقاءنا من بعدهم سيمنحهم كنزا لا يفنى دعوات لهم بالرحمة والغفران لا تفارق ألسنتنا وصلواتنا ونحن نركع للواحد الأحد نرجوه ان يتقبلهم مع الأنبياء والصديقين والصالحين ..
رحم الله البندير حظية هنون وعزائي لأفراد أسرته وأصدقائه وزملائه كل بإسمه وكل من عرفه راجيا من الله أن يشمله بواسع مغفرته وان يدخله فسيح جناته إنه سميع مجيب ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..