التحول الديمقراطي كائن حي
حمدي حمودي
– التغيير
إذا امتلأ الوادي فاض وخرج عن مساره، وإذا عصفت الرياح أكثر مما هو معهود، تحولت الى إعصار، تلك قوى الطبيعة التي يسيرها رب الكون وخالقه.
اننا ان فتحنا المسار للماء وجهزنا القنوات لمرّ بسلاسة وسلام، وان جهزنا أنفسنا لقوة الرياح لكان النفع أكثر.
مثل ذلك تماما يمر هذا الحراك الشعبي في الجزائر اليوم.
فتح القنوات وتنظيفها من الحجارة التي تسد المخارج والقاذورات التي تغلق المسالك، ضروري كي يمر الامر بسلام ونستطيع ان نجمع ذلك الماء الطاهر الذي هبط بقدرة الله وقضائه ونحافظ عليه كي يتحول الى بحيرات خير وخزانات بركة، نعم علينا ان نفتح له الخزانات والفضاءات الآمنة ثم نحرسه ونحافظ عليه.
أننا لا يمكن ان نقف في وجه الرياح العاصفة ويجب أن نعي أنها ستسلك مسارها بنفسها، بشكل سلس ومرن، وان لا نضع الحواجز التي تجعلها تتجمع وتدور وتتحول من رياح الى ريح وزوابع وأعاصير لا نعرف مداها ولا قوتها ولا مآلاتها.
الرياح القوية تحتاج منا الى جمع ملايين المراوح او المشاريع وتوزيعها عبر خارطة الوطن كي تديرها تلك الطاقة والروح المندفعة، رياح الخير رياح البركة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستبقى الرياح في الجزائر أم ستمر الى البلدان المجاورة؟،.
– الخاسر الاول ذيل الاستعمار
الرياح التي تعج بالخير في الجزائر والامطار المباركة التي ستملأ الوديان والبحيرات وتخضوضر بها السفوح والجبال والهضاب والبراري، والذي بهدوئه الشعب الجزائري وسلميته وذكائه وتوحده، حوّلها الى ربيع حقيقي، ووقف جيش الشعب كي يحميها وينقي طريقها من العثرات والمطبات ولم يترك لأي من العوائق الخارجية ولا الداخلية أن تغير من طبيعتها الخيرة، لا تروق لمن له مجاري خاصة ظلت خرما في خزانات الجزائر وأنابيب مصممة كي تحول خيرها وريعها الى خارجها.
توقيت التحركات في ليبيا اليوم وفي المغرب الدائمة وراءهما فرنسا الاستعمارية التي تحاول خلخلة الجو وتحاول ان يبقى الحراك حالة طقس زائلة وليس مناخ سائد مستديم، من خلال التأثير على إشعاعه المتوهج، ودرجة حرارته، ورطوبته، ونسبة هطوله، والضّغط الجوي المرتفع، ورياح الخير.
ولكن ما غاب عن فرنسا أن التحولات الديمقراطية كائن حي يتنفس ويتغذى ويتكاثر وينام ويستيقظ، ويتكلم ويصرخ ويستمع. وأيضا يفكر والأهم انه لا ينسى.
والشعوب المجاورة -ولا أقول الحكام – لا يمكن لأي قوة أن تقطع أذنها ولا ان تفقأ عينها ولا أن تبتر لسانها، ولا يمكن أن تحولها الى صماء وعمياء وبكماء.
الشخصية الجزائرية تعود الى بريقها الجذّاب وخد الشاب والشابة الجزائرية يلمع، والبسمة نحو المستقبل ترسم على وجنته معالم لعوالم آفاق جديدة، ولا بد للآخرين أن يتعاملوا مع هذا التغير : الحالم، الحازم، الفرح، المندفع، بعقله قبل عاطفته، وبكلمات واضحة وخطوات ثابتة يتقدم.
لا بد للآخرين أن يتحولوا ويغيروا اسلوب ولغة التعامل كي يستطيعوا ان يبقوا على تواصل مع الجزائري اليوم الذي ينشد الحرية والتي ستكون لديه قواعد وارضية حديثة ولغة جديدة في التعامل.
ولكي يتفاهم الجميع يجب ان يكون على نفس المقدار والمستوى من قيم الديمقراطية والحرية والعدالة، وبالتالي لا بد من أن ينشب التغيير اظافره في جثة الاستعمار فرنسا وجلبابها في الرباط وجبتها في ليبيا كي تتحرر تلك الشعوب، أو سيبقى الامر على ما هو عليه حشود عند حدود مغلقة تغذي الكراهية والشتات.
إفريقيا ستكون أول المستفيدين من الحراك في الجزائر وستصفق وتضرب على الطبول بقوة وما يحدث في مالي اليوم وفي السودان يحاول محاكاة ما يدور في الجزائر.
إن ما تبحث عنه الشعوب الافريقية الحرة هو الاستفادة من ثرواتها الهائلة، ولن يحدث ذلك الا بإحكام قبضتها على السلطة والسيادة وازاحة أقزام الاستعمار وذيله وأولهم النظام الملكي في الرباط وأصدقائه في غرب إفريقيا، وعزلهم.
وأحب من أحب وكره من كره ستبقى الجزائر كما كانت دائما تصنع الامثلة وتقدم الدروس، وستظل حربة إفريقيا ذات الرأس الحادة المشرعة دوما في صدر الاستغلال والاستدمار ومعقلا للاحرار ومكة الثوار، معلقة على صدر عاصمتها ايقونة “مقام الشهيد”.