مقالات
دعوة الملك المغربي للبابا فرنسيس : حدث خلط أمور الدين بأغراض السياسة !
محمد حسنة الطالب
تأتي زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب بدعوة من الملك محمد السادس ، وذلك بعد 34 عاما تقريبا على الزيارة التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني صيف 1985 بدعوة من الملك الراحل الحسن الثاني.
ولتحليل مغزى ومرامي هذه الزيارة ، يجب أخذ عدة أشياء في الاعتبار منها ، أن البابا ليس هو من بادر بالزيارة وإنما طلبت منه ، ثم التوقيت الذي جاءت فيه ، وأخيرا أهدافها المعلنة والخلفية.
الزيارة أريد لها أن تكون بمثابة موقد يجتمع حوله أهل الدين وأهل السياسة لتدفئة الأجواء ، ومحاولة الخروج بمشهد يروق للمتضررين من الناحيتين الدينية والسياسية، لكن ولكون الزيارة تمت بطلب من العاهل المغربي ، فإن نوايا القصر من وراء ذلك معروفة ولم تكن يوما من الأيام صافية لا في الدين ولا في السياسية ، ففي الدين ينصب الملك المغربي نفسه أميرا للمؤمنين وتلك صورة نمطية تجاوزها الزمن لأنها لم تخدم المؤمنين من أي ديانة في شئ ، وما يعانيه المغاربة قبل غيرهم منذ زمن من ظلم سافر وقهر شديد وطقوس حاطة من الكرامة إلا دليلا قاطعا على همجية محمد السادس وأبيه في التعامل مع المغاربة مهما كانت دياناتهم.
وحين نذكر بأن محمد السادس هو رئيس لجنة القدس ، نجد أنه لا يحرك ساكنا إلا إذا كان في صالح المغرب وإسرائيل ، بينما يموت الفلسطينيون وتنتهك حقوقهم ومقدساتهم ويعلن القدس الشريف عاصمة للدولة العبرية بإعتراف أمريكا وأتباعها ، ورئيس لجنة القدس هذا لا يندى له جبين ولا ينبس ببنت شفة غيرة على إسلامه وعروبته ، فأين العقيدة الإسلامية السمحة وأين التراحم من هذا الملك ، وأين العدل والمساواة ، وأين لقب أمير المؤمنين الذي ملأ السماء والأرض في الإعلام المغربي ؟ أسئلة تتعذر الإجابة عليها من طرف ملوك المغرب على تعدد ألقابهم الخرافية وصفاتهم الزائفة.
أما بخصوص النوايا السياسية للقصر الملكي المغربي من وراء زيارة البابا فرنسيس فهي بيت القصيد ، كون الشبهات كثيرة في هذا الصدد ، حيث العلاقات المغربية الإسرائلية المتينة منذ زمن ، والتعاطف الواضح مع اليهود، وزيارة بوريطة الفارطة للكيان الصهيوني مازالت لم يطالها النسيان بعد ، وتسريب اجتماعات القمم العربية للموساد في عهد الحسن الثاني دليل على تشابك المصالح الإستيراتيجية للمغرب مع إسرائيل ، وما تعرض له العرب من هزائم وما طال الفلسطنيين من نكبات ومآسي على يد الإحتلال الصهيوني ، لم يكن صدفة بتاتا ، بل كان نتيجة خيانة وتواطؤ من القصر الملكي في المغرب ، وهذه نكاية بالأخوة وبالملة ، وفضيحة أخلاقية ليست من شيم أمراء المؤمنين ، وشتانا بين الإمارة في عهد عمر بن الخطاب والإمارة في عهد الأسرة العلوية في المغرب.
نأت الى العامل الثاني المتعلق بتوقيت هذه الزيارة ، ونجد أنها جاءت في ظرف إنعقاد القمة العربية بتونس وما قد تشكله من مآخذ سياسية على القطر المغربي ، كذلك دقة وحساسية الوضع في بعض دول المنطقة المغاربية التي تعاني من أزمات وحالات من عدم الاستقرار بسبب الفساد وغلو بعض الأنظمة في السلطة ، ناهيك عن التدخلات الخارجية التي دأبت على الصيد والإستثمار في المياه العكرة.
من هذه الزاوية يجد المغرب نفسه في عين العاصفة ، ولا يخفى على أحد غليان الشارع المغربي المتفاقم بدء من احتجاجات الريف مرورا بثورة عشرين فبراير ، ووصولا إلى حراك الأساتذة مؤخرا ، الذي تزداد جذوته يوما بعد يوم ، وغير ذلك من الاحداث التي كان سببها الفساد الفاضح والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب، كقضية السماك محسن فكري والزفزافي وبوعشرين والمهداوي وغيرهم من ضحايا القتل والقمع والتنكيل ، والقائمة تطول وستطول في هذا الإتجاه ضد المغاربة المناوئين للحكم الفاسد في المغرب.
إن دعوة البابا لزيارة المغرب ماهي إلا ذر للرماد في العيون ، وتغطية على جملة من المظالم والمآسي إنكوى بها المغاربة ردحا من الزمن ، وحتما ستؤدي بهم الى ثورة عارمة من أجل الحياة الحرة الكريمة مهما كلف ذلك من ثمن ومهما طال الزمن أو قصر ، لأن التاريخ أثبت أن إرادة الشعوب أقوى وأعتى من إرادة الحاكم إذا طغى وإستبد .
العامل الثالث في هذه الزيارة يتعلق بالأهداف المعلنة والخفية ، ومما سبق يمكن استخلاص مايلي :
أولا، الأهداف المعلنة:
– أن طلب الزيارة يحسب للملك محمد السادس على أنه إنجاز يحقق التقارب والتسامح بين الاديان ، وقد يساهم في إعتبار الآخر والحد من التطرف ، وهذه مغالطة رأينا مثيلها في الضجة الإعلامية التي حدثت عندما طالب الملك محمد السادس الجزائر بفتح صفحة جديدة لحل الخلافات وفتح الحدود بين البلدين ، والتي أضحت فيما بعد مجرد زوبعة في فنجان .
– اظهار العناية باليهود المغاربة وبالمسيحيين وفي ذلك استجداء وتقرب وتمكين لمصالح المغرب في دول الرعايا الموجودين على أرضه .
– إظهار ولاء الصحراويين من خلال حضور بعض الخونة والمغاربة بالزي الصحراوي داخل قاعة المراسيم ، وهذه فبركة وكذبة لن تنطلي على أحد.
ثانيا، الأهداف الخفية:
– تحسين الصورة المشوهة للمغرب في الخارج وفي الداخل ، وإظهاره بصانع السلام والتسامح ، وتلك عقبة كأداء من الصعب تذليلها .
– أن برمجة زيارة البابا في هذا الوقت هي حجة من الملك لتبرير غيابه عن القمة العربية بتونس ، وربما يعود ذلك في الواقع الى تأزم العلاقات المغربية مع بعض دول الخليج ومع تونس نفسها التي بدأت تبدي مرونة تجاه القضية الصحراوية .
– سبر غليان الشارع المغربي وإندفاعته في إتجاه التغيير ، ومدى تأثره بالحراك السائد في الجزائر خاصة .
– الوقوف على مدى قوة وولاء المخزن وقدرته على حماية العرش وتأمين مواكب الزيارات الى القصر الملكي .
– لفت انتباه المغاربة عن واقعهم المزري وعن بعض القضايا التي منها ندوة “الصادك” المتعلقة بالتضامن مع القضية الصحراوية ، والتي حققت نجاحا ملفتا على طريق الشرعية مازال يتردد صداه حتى الساعة ، لا بل أنه كذب وبالملموس كل ماذهبت وتذهب إليه وسائل الإعلام المغربية من مغالطات حول القضية الصحراوية .
– تشجيع المهاجرين الأفارقة على القدوم الى المغرب ، وإغرائهم بشعارات التسامح و العناية اللازمة أثناء الإقامة، هذا في الوقت الذي يدفعهم المغرب الى الهلاك ويستخدمهم كورقة ضغط وإبتزاز ضد الدول الأوروبية.
بالتمعن في المعطيات السالفة الذكر ، نجد أن الغرض من دعوة البابا فرنسيس لزيارة المغرب كان سياسيا بإمتباز أكثر منه دينيا ، وبالتالي لا تعدو هذه الزيارة كونها حق اريد به باطل ، والباطل كما هو معروف سلعة رائجة في المغرب منذ تسلطت الملكية المطلقة على رقاب المغاربة وأهانتهم بالرعب وبالمغالطات والوعود الكاذبة دون الوصول الى نتائج ملموسة في الواقع .