الأمم المتحدة قد تخضع لمشئية الاتحاد الاوروبي في قضية الصحراء الغربية
السيد حمدي يحظيه
كان واضحا بما فيه الكفاية منذ مجئ غوتيريس إلى مكتب الأمم المتحدة كأمين عام، وتعيينه للالماني كوهلر، كمبعوث شخصي، ونقله للمفاوضات إلى اوروبا، ونقله لمكتب الممثل الخاص إلى برلين، أن الاتحاد الاوروبي قد انفرد، بسهولة، بملف الصحراء الغربية. وحين نقول الاتحاد الاوروبي فإننا نعني فرنسا بالدرجة الأولى بصفتها حامية للمغرب، واسبانيا بالدرجة الثانية بحكم مصالحها في الصيد في المياه الصحراوية، والمانيا بدرجة أقل بحكم أنها تبارك ان يبقى المغرب محتلا للصحراء الغربية إذا كان ذلك سيضمن استقراره.
منذ سنة 1997م، بعد تعيين بيكر مبعوثا شخصيا للأمين العام، وتحركه الحر غير الخاضع لمرجعية اوروبية برغماتية، يكون الاتحاد الاوروبي( فرنسا وأسبانيا بالذات) قد أحس أنه لم يعد يتحكم في تسيير الصراع لصالح المغرب في قضية الصحراء الغربية. مجئ الامريكي كريستوفر روس، المبعوث الشخصي السابق للأمين العام، زاد من حنق الاتحاد الاوروبي ومن نرفزة فرنسا وأسبانيا. انتخاب الاوروبي، البرتغالي والاشتراكي انطونيو غوتييريس كأمين عام للأمم المتحدة غيَّر المعادلة، ورأى فيه الاتحاد الاوروبي فرصة للانفراد بتسيير قضية الصحراء الغربية حسب هواه ولو إلى حين. تغيرت قواعد اللعبة لصالح الاتحاد الاوروبي والمغرب: أصبح الامين العام من اوروبا، والمبعوث الشخصي من اوروبا وتم نقل مكتب هذا الأخير إلى اوروبا، ولاحقا تم نقل مقر المفاوضات إلى اوروبا، ولم يبق سوى تكييف سياسة الامانة العامة للامم المتحدة مع سياسة الاتحاد الاوروبي لمصلحة هذا الاخير وليس لمصلحة القانون الدولي، والنتيجة ميلان فاضح للاطروحة المغربية.
وكما لا نحتاج إلى تفكير مجهد ولا إلى معلومات سرية لنعرف أن أي شيء يمس الوضع في الصحراء الغربية لا بد ان يمر على مجلس الأمن وعلى الامانة العامة للأمم المتحدة بحكم أنها تعمل كوسيط في حل الصراع وتتواجد بعثة لها على الأرض منذ أكثر من عقدين.
الآن، وكنتيجة لكل العوامل المذكورة سابقا، خاصة تعاطف الأمين العام ومبعوثه الشخصي مع اتحاد بلدهما عضوين فيه، ستصبح قضية الصحراء الغربية اسيرة لاجندة الاتحاد الاوروبي. فكل ما سيقوم به الاتحاد الاوروبي من تعسف في حق الصحراويين، ومن تعسف ضد القانون الدولي والقانون الاوروبي سيجد له غطاءا من طرف الامانة العامة للأمم المتحدة. فامانة الامم المتحدة إما ستغض الطرف عن تجاوزات الاتحاد الاوروبي غير القانوينة، أو، وهذا هو الاطم، ستسايره وتساعده خفية كي يمضي في خرق القانون الدولي بدون وخز او نغز. من نتيجة تواطؤ الامانة العامة للامم المتحدة مع الاتحاد الاوروبي هو سكوتها عنه حين اخترق القانون الدولي والاوروبي على حد سواء في تشريع نهب الثروات الصحراوية الزراعية والسمكية، ورفضها أن تكون هي الحكم. فالاقليم يقع، قانونيا، تحت رعاية الامم المتحدة، وهذه الاخيرة كانت اصدرت سنة 2002م، قبل رأي المحكمة الاوروبية، رايا استشاريا يقول أن الثروات الصحراوية هي ملك للصحراويين، والمغرب لا يحق له التصرف فيها. فمن اضعف الايمان أن الامم المتحدة، لو لم تكن متواطئة مع الاتحاد الاوروبي، كان يمكن أن تصدر بيانيا او تصريحا ولو بسيطا تنبه فيه الاتحاد الاوروبي ان ما قام به من نهب لموارد الصحراء الغربية هو غير شرعي، أو، على الاقل، تقبل ان تكون هي الحكم الشرعي في قضية الاتفاق الاوروبي مع المغرب.
وفي غياب أي اهتمام امريكي رسمي بالقضية، وعدم تدخل ترامب شخصيا، يمكن ان نفسر تهديدات بولتون بالضغط على المغرب بقطع التمويل عن المينورسو انها، فقط، مجرد تذكير للاتحاد الاوروبي انه لايجب ان ينفرد بالقضية الصحراوية، وتذكير للامانة العامة نفسها أن أمريكا لها اوراق ضغطها. فجون بولتون هو صقر امريكي، ويتصرف وفق ثقافة براغماتية بحتة، ومقتنع أن دولته يجب ان تبقى هي التي تحرك خيوط كل القضايا الدولية بما فيها قضية الصحراء الغربية التي نساها ترامب.
هذا كله يقودنا إلى انه قد لا يحصل – أو بكل تأكيد سوف لن يحصل- أي تقدم تقوده الامم المتحدة في حفلة المفاوضات والوساطة. فكل ما سيحدث انه سيتم تكييف السياسة الاوروبية الرجعية في قضية الصحراء الغربية مع سياسة الامم المتحدة المترددة بحكم وجود الغطاء مسبقا. وما لم يحدث عامل خارجي في السنوات القادمة أو يكون ضغط بولتون وراءه سياسة امريكية سوف لن يكون هناك اي تقدم يمكن استشرافه الآن.