الأزمة “المغربية-السعودية” تكشف أن القضية الصحراوية في عين إعصار صفقة القرن!
محمد فاصل محمد سالم
لايختلف إثنان أن العلاقات بين مملكيتين عريقتين في الحكم الوراثي و الإستبداد و الطغيان و احتقار الجار واستصغاره هي علاقات تاريخية و متينة ، ولايختلف إثنان أيضا على أنه ليس من سداد الرأي و لا المصلحة ان تعادي إحدى المملكتين “الشريفتين” الأخرى،خصوصا -حسب مارُوٍج في الإعلام المغربي- أن السبب هو شريط تلفزيوني عن الصحراء الغربية بث من من الإمارات .
إذاً ماحقيقة هذه الأزمة و هل لها علاقة “بصفقة القرن”؟ و هي الأزمة التي يظهر أنها أعمق من مانتصور وأبعد من ماتحاول صحافة المخزن أن تجُرنا اليه و تحشرنا في زاوية ماتسميه “القضية الوطنية خط أحمر” بإيهامنا بأن السعودية قد تجاوزت هذا الخط و أن المغرب لا يسمح بذلك لأي كان! يمكن ان تنطلي هذه الكذبة على الشعب المغربي المسكين “المُدَوخ” و لكن لا على غيره. فهل يعقل أن بهذه البساطة يُستدعى سفير المغرب من الرياض و مالذلك من معنى في العُرف الدبلوماسي و أن تُشعٍل الصحافة المغربية خاصة منها المقربة من القصر النار في كل الإتجاهات ضد المملكة العربية السعودية و ضد شخص ولي العهد محمد بن سلمان؟ ما معنى أن يختار السي بوريطة قناة الجزيرة القطرية لبعث رسائله الملغمة الى القيادة السعودية و كان بإمكانه اختيار أية وسيلة إعلامية أخرى لو لا النية المبيتة للنيل من السعودية؟ لماذا تُسرٍب الحكومة المغربية هذا الخلاف أو الأزمة للصحافة الأمريكية قبل غيرها حيث أن وكالة ” أسوشيتد برس” هي التي نشرت الخبر و نسبته الى مسؤول بارز في الدولة المغربية لم يرغب في الإفصاح عن إسمه في حين لم يتقدم السي مصطفى الخلفي الناطق باسم الحكومة كعادته ليفصح للرأي العام عن موقف بلاده من “التطاول” السعودي؟ ماسبب الإرتباك و التخبط في التصريحات المتناقضة حول إستدعاء السفير المغربي من الرياض، حيث وزير الخارجية المسؤول الأول عن الدبلوماسية المغربية يقول بالحرف الواحد لوكالة “اسبوتنيك” الروسية: إن الخبر لا أساس له من الصحة، في وقت يؤكد مصطفى المنصوري السفير المغربي في السعودية “لموقع360” المقرب من المخزن، إستدعائه الى الرباط على إثر المستجدات التي طرأت على مستوى العلاقات بين البلدين؟ هل يُعقل أن يضحي المغرب بكل بساطة بالهٍبًة المالية التي تقدر ب5 مالايير دولار تقدمها السعودية و الإمارات وبقية دول الخليج لتسيير إقتصاده و هو الذي و صلت ديونه الى 92ّ% من إجمالى الإنتاج الخام و بالإستثمارات السعودية المتعددة آخرها مشروع دعم القطاع الصناعي بقيمة 500مليون دولار،وأكبر مشروع في العالم لتوليد الطاقة الشمسية وغيرها من المشاريع فضلا على أن السعودية هي ثالث مستثمر في المغرب و الشريك السادس تجاريا؟ ألم يؤكد مؤتمر مجلس دول الخليج الذي حضره الملك المغربي سنة 2017 في بيان رسمي موقف دوله من ضم الصحراء الغربية للمغرب أليس هذا الموقف الجائر أقوى تأييدا للمغرب من أن يمحوه تقرير تلفزيوني لم يأت بالجديد اللهم كرر مواقف الأمم المتحدة و القانون الدولي من نزاع الصحراء الغربية كاقليم لازال ينتظر تقرير مصيره؟
صحيح أن هناك بعض الخلافات المغربية -السعودية لكن لا ترقى الى مستوى تعكير العلاقات بين البلدين: مثل تصويت السعودية على ملف الولايات المتحدة و كندا و المكسيك لإستضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2026 و استثناء محمد بن سلمان المغرب في زيارته الأخيرة لدول المغرب العربي رغم أن المخزن هو الذي عبر عن عدم ترحيبه بولي العهد السعودي بتحججه بأجندة مزعومة للملك، لاتعطي الفرصة للأمير السعودي باستقباله في الرباط، إضافة الى أمور أخرى كلها في نظرنا بعيدة كل البعد عن خبايا الخلاف المزعوم وما وراء الأزمة الظاهرة للعيان.
إن التسريبات الإسرائلية لزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو للملكة المغربية و التي أكدتها القناة الثانية العبرية ولم ينفيها مكتب الوزير الأول الصهيوني والتي كانت مقررة مطلع شهرابريل القادم، نعتقد أنها لم تكن بريئة بل مدروسة و محبوكة بعناية، خاصة أنه بمجرد إنتهاء الضجة الإعلامية حولها بدأ الدخان يتصاعد حول ما يعرف بالأزمة “المغربية-السعودية” وذلك بالتزامن أيضا مع عودة بوريطة من واشنطن و لقاءاته مع اللوبي الصهيوني هناك ومع رموز الإدارة الإمريكية بما فيهم مستشار الأمن القومي السيدجون بولتون و وزير الخارجية السيد مايك بمبيو.
مصادر اسرائيلية لفتت الإنتباه الى مكانة المغرب في ضمان حشد الدعم العربي و الإسلامي “لصفقة القرن” الأمريكية عندما تُطرح بعد انتخابات الكنيست و قبيل تشكيل الحكومة الإسرايلية في ابريل القادم حسب ما صرح به السفير الأمريكي لدى اسرائيل السيد ديفيد فريدمان. المغرب حاول مؤخرا أن يجد له قدما ضمن الصفقة و تمطيطها الى حدود الصحراء الغربية من منطلق حجم صفقة القرن والأموال المضخة فيها والرغبة الأمريكية و الإسرائلية في ايجاد قدم لهما في الشمال و الشمال الغربي الإفريقي أمام الإنتشار الصيني في القارة و خاصة إذا ما وجدنا أن الحل المراد فرضه على السلطة الفلسطينية يتطابق تماما مع ما يُرَوٍج له المغرب في الصحراء الغربية، حيث كشفت اليوم الصحف الإسرائلية عن بعض تفاصيل”صفقة القرن” عشية إنعقاد قمة وارسو، أبرزها تمويل مشاريع البُنى التحتية في الضفة الغربية و قطاع غزة و جزء من سينا والمساعدة في النهوض بالإقتصاد الفلسطيني و بناء مطار دولي و توسيع مواني وخلق ظروف العمل و التشغيل للفلسطينين من جهة و من جهة أخرى تكون للحكومة الفلسطينية الصلاحيات الواسعة في تسيير الشؤون الإقتصادية و الإجتماعية و الأمنية للشعب الفلسطيني و يربطها نظام كونفدرالي من جهة الضفة الغربية بالأردن و من جهة غزة بمصر من مايُخول للدولتين الأردن و مصر حماية حدود اسرائيل و ضمان أمن الفلسطينين المنزوعي السلاح والمحرومين من تكوين جيش وطني. مهندسو الصفقة يدعون أنهم سيجعلون من فلسطين “سنغافورة” الشرق الأوسط رفاهيةً مالاً و تجارةً أي بكل بساطة: الخبز مقابل هدر الكرامة.
المغرب الذي يرى حبل المشنقة يقترب من الإلتفاف على رقبته في موضوع الصحراء الغربية، بتشجيع من فرنسا و اسبانيا إعتقد أن هذه هي فرصة العمر سارع الى اسرائيل لتجعل له حظا في “الكعكعة- الصفقة” ، فقام الشهر الماضي بإستدعاء أعضاء من الإئتلاف اليهودي الجمهوري، مصحوبا بلوبيات ضغط أمريكية مقربة من إسرائيل، لزيارة المغرب حيث التقوا شخصيات مغربية من بينها وزير الخارجية ، وتم نشر على “تويتر” صورة لأعضاء الوفد الذي اجتمع مع ناصر بوريطة والتقى الوفد أيضا بشكل سري رؤساء غرفتي البرلمان حبيب المالكي وحكيم بن شمحاش، كما طار بوريطة في نفس المدة الى مصر و أستقبل من طرف الرئيس السيسي و الى الإمارات العربية المتحدة التى التقى بقادتها.
كانت الحكومة المغربية تعتقد أن الأمر محسوم لصالحها و أن صفقة ” الخبز مقابل الكرامة ” ستُفرض أيضا على الصحراويين رغم أنفهم إلا أن رياح المغرب لا تشتهيها سفن المملكة العربية السعودية الشيء الذي سيفرض على هذه الأخيرة ضخ أموال ضخمة إضافية وهي الممول المالي الرئيسي للصفقة مما سيُعرضها الى إبتزاز آخر من لدن الرئيس الأمريكي ترامب الشيئ الذي لم تقبل به السعودية كونه، أولا الطلب المغربي أتى متأخرا وثانيا عدم الرغبة في فتح عليها جبهة أخرى في المغرب العربي و هي الغارقة في وحل أزمة الخليج :حرب اليمن،حصار قطر، و مضاعفات مقتل الصحفي خاشقجي.
المملكة العربية السعودية إعتبرت المحاولة المغربية ابتزازا للمجهود السعودي في “تسوية” المشكل الفلسطيني و تدخلا في مجالها الإستراتجي بالإضافة الى استغلال ضعفها الحالي بتقزيم دورها أمام الدول الغربية و اسرائيل، من جهته المغرب يعتبر الرفض السعودي لطلبه هو إبقاء عنقه داخل حبل مشنقة الصحراء الغربية. إن ما يظهر أنه أزمة بين المغرب و السعودية ماهو إلا شجار بين لصوص حول كيفية تنفيد عملية سرقة لم يعرف حجم قيمتها بعد.
لكن السؤال المطروح بعدما سمعنا تبريرات الإتحاد الأوروبي بضم الصحراء الغربية في اتفاقيات التحرير التجاري و الصيد البحري الموقعة مع المغرب و التي إدعا باطلا بأنها تصب في مصلحة المواطن الصحراوي و من أجل رفاهيته و عندما نتمعن في مقاربة المبعوث الأممي السيد كوهلر الذي يُقدم الإقتصاد على السياسة و يتحدث عن الدور الذي ستلعبه ثروات الصحراء الغربية في النزاع، ربما نحن أمام صفقة أخرى إن لم تكن هذه المرة لقرن تكون لعدة سنوات،و سنٌدفع الى قبول “سنغافورة المغرب العربي” في الصحراء الغربية أي بكل بساطة الخبز مقابل الكرامة؟ و الأيام بيننا.