في ميلادها الثالث والأربعين
الخوديج عبد الجليل
ماذا عساني أقول في ميلادِك الثالث والأربعين، تأبيْن الانكسار، لاتحتملي الصمت والإنجرار، تقاومين الاحتضار وتحاولين ان تأتي عبر اثيرياتك بإيجابيات الاخبار لأنك ببساطة صوت شعب جريح عانى ويعاني، ومن صموده تتغذين ومن كفاحه تشمخين ومن إرادته تصلبين امام كل العوائق والاخطار.
“الإذاعة الوطنية صوت الشعب الصحراوي المكافح”
عبارة رددناها صغارا وكبارا، كبرنا وترعرعنا كصحراويين على هذا الصوت وكان يَضخ فينا الروح الحماسية والوطنية وكنا نعتبره بمثابة الضربة القاضية للعدو أو الرصاصة القاتلة لكل ظالم طماع، كانت الإذاعة الوطنية ولازالت ذلك الصرح البسيط المتواضع والسهل الوصول إليه موجةً ومقراً، تعاقبت على خدمته بكل جدية ومصداقية ووفاء وموضوعية اجيال واجيال، حملت على عواتقها هم مجتمع ومسؤولية وطن وواجبات مواطن وإلتزام مناضل ومسيرة شعب ومن خلالهم كانت الإذاعة الوطنية الوسيلة الوحيدة التي استطاعت إيصال صوت الشعب الصحراوي وصوت ثورته الى اصقاعٍ عديدة من العالم، وتمكنت من توثيق مكاسب وانتصارات الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب عبر التاريخ فاضحة زيف الدعاية المغربية ومغالطاتها رافعة شعار التميز والإلتزام ، حاضرة في كل المناسبات والاحداث الوطنية، رفيقة للمقاتل واللاجئ والمغترب، مُحَفِزَة للمناضلين بالارض المحتلة وهي الصديقة الوفية التي تمدهم بالمعنويات والطاقة الإيجابية للمضي قدما في اهدافهم ومراميهم ، انيسة للمواطن في يوميات حياته، مُسلية لسائق السيارة وللمسافر في رحلتهما، مُرافقة للمرأة في كل مراحل عملها اليومي ولأولئك الذين يستمعون لها وهم حول صينية الشاي صباحا مساء، وللراعي في حله وترحاله وهو يعتني بقطيع الاغنام ويتخير لها اوفر المراعي بين الاودية والخلجان ولكل شغوف ومتلهف لإنتصارات الدولة الصحراوية والجبهة، كانت الإذاعة الوطنية خليله وجليسه وانيسه الدائم بكل إخلاص حاضرة في كل خيمة وفي كل بيت وفي كل قلب صحراوي يتنفس حرية.
رافقت الإذاعة الوطنية كل مراحل البناء والتحرير في الدولة الصحراوية شاهدة على كل الوقائع الحربية منها والسلمية، مواكبة لعمليات جيش التحرير الشعبي الصحراوي في معاركه مع الاحتلال المغربي.
اليوم وبعد ثلاث واربعين سنة لازالت الإذاعة الوطنية حاضرة بدورها ومجدها الذي لم تستطع اي وسيلة إعلامية رغم عصر السرعة والتكنولوجيا والانترنت ورغم مايحاك خلسة لكبح جماحها وكسر جناحها ان تلغيه ولا حتى ان تصل الى ماوصلت إليه إذا مانظرنا الى مسيرتها النضالية وعطاءاتها اللا متناهية وستظل قادرة على الحياة بشعار “لا تراجع ولا اندثار” تستجمع في كل مرة قواها وتلملم جراحها وتواصل دربها ومسيرتها التي هي مسيرة شعب هدفه الحرية والاستقلال وتعيين يوم تأسيسها كويم وطني للإعلام كدليل على قوتها وعرفانا لمجهوداتها وتقديرا لعطاءاتها وتثمينا لدورها البارز في توعية الفكر الصحراوي وتنويره وإستنهاض الهمم وشحذها وتكريما لجدية من تعاقبوا على خدمتها منذ تأسيسها منهم من قضى نحبه وهو يزاول مهامه ومنهم من ينتظر ومنهم من رحل الى غير موضع تاركا وراءه إرثا نضاليا وبصمات إعلامية خالدة في اذهان الصحراويين وارشيف الذاكرة الجماعية الصحراوية.
فإذا اردنا الحديث عن الاجيال التي تعاقبت على خدمة الإذاعة الوطنية منذ البدايات الاولى لحرب التحرير خاصة الرعيل الاول فلن تنصفها الحروف ولا الكلمات ولا العبارات وستبقى الشهادة فيهم مجروحة لما قدموه خدمة للقضية الوطنية في وقت عصيب سمته ندرة الامكانيات وقلة القدرات وصعوبة الحصول وايصال المعلومات والحجر عن العطاء من شح في الامكانيات وصعوبة في الحصول على المعلومات ورغم ذلك انبرت ثلة من الرجال والنساء شعارهم الاعتماد على الذات وتذليل كل العراقيل والصعوبات ،فكانت الاذاعة القبس الذي يضيء الطريق والدليل المرشد والانيس فى الوحشة والبشير النذير بالفرعة والجسر بين الاحبة والمصدر للخبر والتحليل بكل إلزامية ودقة و تقديمه للمستمع بكل صدق وموضوعية متحدية ما صاحب ذلك من اكراهات موضوعية ذاتية من جهة والسياسات المغربية الرامية الى إسكات صوت الصحراويين وهضم حقوقهم من جهة اخرى، إلا انهم وبفضل جهودهم التي اتت أُكلها في إستمرار قاطرة الإذاعة الوطنية صمدوا وحمَّلوا مشعل المسؤولية لأجيال بعد اجيال ورسموا طريقها نحو النجاح فذاع صيتها في ارجاء مختلفة من العالم وظلت مواصلة إستمرار الكفاح الصحراوي وستبقى عنوانا وناطقا بانتصاراته وملاحمه البطولية.
تجسيدا لعبارة “الإذاعة الوطنية صوت الشعب الصحراوي المكافح” فهل فعلا نالت الإذاعة الوطنية ماتستحق؟ وهل انصفها واهلها الإعلام الصحراوي؟ وهل اليوم الوطني للإعلام تكريم للإذاعة ام تأبين لها؟