المغرب عناد في جنيف وتودد في نواكشوط…
حمدي حمودي
في خبرية مقتضبة قرأنا أمس في الوكالة الموريتانية للأنباء ” حرص مساعد وزير الخارجية الأمريكي، بخصوص الطاولة المستديرة بجنيف، على التذكير بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ولكل مبادرة تستهدف حل قضية الصحراء الغربية متمنيا أن يتم عاجلا التوصل إلى نهاية سعيدة لهذه القضية”، تباعا وصل وزير الخارجية الفرنسي وقبله رئيس الحكومة المغربية الى نواكشوط في اطار تجمع الساحل التي ستجتمع في نواكشوط وهي المكونة من كل من “موريتانيا، ومالي، وتشاد وبوكينا فاسو، والنيجر” وان كان الحضور الفرنسي والمملكة السعودية كمانحين في تمويل جيوش دول الساحل والصحراء له ما يبرره فإن رئيس الحكومة المغربي ربما جاء على هامش الضغط على الراي الموريتاني تزامنا مع محادثات جنيف، حيث أنه ” يشكل تهريب المخدرات والتجارة بالبشر واحدا من التحديات الأمنية المطروحة وان ظلت أنشطة التنظيمات المسلحة والجريمة المنظمة العابرة للحدود تشكل مجتمعة أكبر التحديات التي تواجهها منطقة الساحل” ونحن نعرف أن المملكة المغربية هي أكبر منتج للمخدرات والكل يعرف أن هناك الكثير من العمليات التي تم توقيفها من الجمرك الموريتاني قادمة من نقطة المرور من الجزء المحتل من الصحراء الغربية بعد مروره على “الجمارك المغربية”؟ إضافة الى ما تقوم به قوات الجيش الصحراوي في مطاردات مستمرة لسيارات معبأة من المخدرات تمر من جدار العار المغربي الذي به الجيش المغربي وحتى انه تم القبض على المهربين من الثغرات التي تمر من الجدار المغربي، أما تهريبها نحو الجزائرفحدث ولا حرج فرغم كل المجهودات لا يخلو يوم دون ان يتم القبض على كميات مهربة من الحدود المغربية الجزائرية بعضها بالأطنان.
كما ان صحف فرنسية بدأت تتحدث عن العلاقات بين السنغال وموريتانيا وقدوم الرئيس السنغالي لدشين الحجر الأساس لمشروع تمرير الغاز المتوقف بسبب سوء العلاقات، وتحاول فرنسا تحريك محورها باريس-الرباط-السنغال، الذي خرجت موريتانيا بحكمة من كماشة ضغوطه، بتلك الاتفاقيات والتكتلات مع دول الساحل ومع الاتحاد الافريقي والعالم العربي وحتى بفتح طريق بري كبدائل وممر أمان مع الجزائر بطريق تيندوف-ازويرات في محاولات حثيثة لفك الضغوط على القرار السيادي الموريتاني والتمهيد الفعلي للمغرب العربي الذي عارضته فرنسا وهددت الرباط مرارا الجارتين من عواقب فتحه حتى ان فرنسا حذرت رعاياها من المرور عبره.
في نفس الوقت طورت موريتانيا اساليبها في احتضان القمة العربية التي اعتذر عنها المغرب والقمة الافريقية وغيرها، لتتمكن موريتانيا من أن تكون اللبان الذي يعطر الأجواء والملاط الذي يرص البناء وظل الرأي الموريتاني متمسكا بحل القضايا بالطرق السلمية، وفي إطار القرارات الأممية والمبادئ الدولية التي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار الذي لا زالت ترفضه الرباط ويعتبر الى اليوم ان موريتانيا ليست الا قطعة من “المغرب الكبير” ونحن لا نعرف من كان جزء مِن مَن.
ولم تتنازل موريتانيا ابدا عن التأكيد على الروابط القوية مع كل الجيران وخاصة مع الشعب الصحراوي، وكانت الزيارة التي قام بها الرئيس الصحراوي لموريتانيا على هامش القمة الأفريقية تبين بوضوح عمق تلك الوشائج.
كما ان الحراك المصاحب للمفاوضات القادمة بدأت عدواه تنتشر الى جس النبض من الالمان أنفسهم حيث “أجرت وزيرة التجارة والصناعة والسياحة السيدة خديجة أمبارك فال زوال يوم الاربعاء بمكتبها في نواكشوط مباحثات مع سعادة السيدة غابرييلا ليندا غيليل سفيرة جمهورية المانيا الاتحادية المعتمدة لدى موريتانيا”و هو له علاقة بالمفاوضات التي يقودها الممثل الخاص الاممي الالماني كولر.
وتناول اللقاء علاقات التعاون القائم بين البلدين وسبل تعزيزه وتطويره.
وتعيش القضية الصحراوية حراكا كبيرا في الاعلام عبر العالم وفي جنيف بالذات توافدت القنوات والصحف العالمية لتغطية الحدث التاريخي، غير أن رحى المستعمرين تدور في نواكشوط اليوم، وتحاول تلك القوى فك الحصار عن المفاوض المغربي، من خلال فرض اجندة ما على المراقب الموريتاني، غير أن التصريحات المتتالية من السياسيين الكبار الموريتانيين لم تتزحزح قيد أنملة وتدري جيدا ما ذا تقول وما هي تكتيكات المحاور المختلفة.
قيام دولة صحراوية مستقلة في الصحراء الغربية لم ولن تكون الا خيرا على المنطقة المغاربية كما هي لمدة اكثر من 30 سنة في افريقيا ولديها علاقات طيبة مع كل الدول التي تعترف بها وقد اعلن الشعب الصحراوي عنها 1976 ولم يجد العالم من العنصر الصحراوي الا الوفاء والخير والبركة والتوجه الصحيح نحو العالم بعقل منفتح على المستقبل دولة تحترم حدودها وتعهداتها وظلت العلاقات التاريخية مع الجارة الموريتانية سمن على عسل وصمام أمان ضد عقلية التوسع والاستعمار في القارة السمراء وشعوبها التواقة الى الحرية والاستقلال والعيش بسلام وأمان.
الحراك التمهيدي لحل القضية الصحراوية أمل كل شعوب المنطقة، غير أنه ضد من يريد أن تبقى افريقيا عاجزة وضعيفة والمغرب العربي والعالم العربي حتى يتمكن من السيطرة عليها وبالتالي نهب خيراتها واستغلالها واستعمارها، وهو ديدن محور الشر الذي لا تزال فرنسا او قل الطبقة السياسية في فرنسا تحاول فرضه بالمناورات والخداع، تلك الطبقة المتكبرة التي حتى ممارساتها مستمرة حتى على الشعوب الفرنسية نفسها بفرض الضرائب لصالح الشركات الكبرى، لكنها شعوب واعية رفضت الضغوط ورفضت الاملاءات وفرضت إرادتها، فإرادة الشعوب لا تقهر.
ستظل موريتانيا مهمة ما دامت متمسكة بنهج تقوية ذاتها وقدرتها على الإمساك بقرارها السياسي وسيادتها عليه دون الرضوخ للإملاءات والضغوط ولن يكون ذلك إلا باستنادها الى مرجعيتها القارية ومحيطها الإقليمي وستبقى لها الكلمة المسموعة، وتؤمن موريتانيا بأن قرارات الأمم المتحدة التي تصب في تقرير مصير الشعب الصحراوي وحده من سيؤمن الحل العادل والنهائي للقضية الصحراوية وهو المدخل الصحيح للمغرب العربي الكبير مغرب الشعوب وليس الأنظمة والمماليك.
ثبات موريتانيا ورؤيتها الواضحة هي التي جعلت سعد الدين العثماني يصرح اليوم من نواكشوط قائلا “إن بلاده حريصة على تطوير العلاقة مع موريتانيا إلى أقصى حد ممكن” كالحمل الوديع لينتهي مؤقتا التهديد باجتياح لكويرة فسبحان مغير الأحوال بين غمضة عين وانتباهتها.