الموقف الأمريكي بين مزاج ترامب وتعليق دعم المينورصو
السيد حمدي يحظيه
عندي رأي شخصي يكاد يتحول الى قناعة، وأكرره في الكثير من المناسبات والمقالات، واتمنى أن أكون على خطأ، وهو أن لا حل لقضية الصحراء الغربية في الأمم المتحدة إطلاقا، وأن الحل موجود بيد الولايات المتحدة بشرط أن تغير سياستها في المنطقة وتتفاهم مع الجزائر، والحل سيحدث بالضغط على المغرب بدون المرور بالأمم المتحدة وليس من داخل مجلس الأمن بسبب أن الولايات المتحدة تعرف، بديهيا، أن فرنسا مستعدة، في اي وقت، أن ترفع الفيتو لهذا تتحاشى الصدام معها.
الذين منا يرون أن هناك مؤشرات أن الولايات المتحدة يمكن أن تغير سياستها بخصوص الصحراء الغربية نقول لهم أن سياسة واستراتيجيات الدول، خاصة الكبرى، لا تُبنى على العواطف ولا علاقة لها بالتعاطف، إنما تُبنى بناءا على توقعات بعيدة المدى تضمن المصلحة. هذا بديهي جدا، وحين ننظر إلى سياسة الولايات بخصوص قضية الصحراء الغربية، في السنوات الأخيرة نجد أنها لم تتغير في الجوهر فهي توجه مجلس الامن وتترك القرارات التي تراها هي صائبة تمر ما دامت تتفق وسياستها.. ففي عهد اوباما، من الحزب الديمقراطي، حدث بعض الضغط على المغرب من خلال موقفين شهيرين: أولا تقديم مسودة قرار لمجلس الامن في سنة 2013/2014م تحث على أن تراقب بعثة المينورصو حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، لكن ذلك الفعل فشل بسبب عدم الجدية وعدم رمي الولايات المتحدة لثقلها في الموضوع؛ ثانيا وقفت الولايات المتحدة موقفا جيدا مع كريستوفر روس حين أراد المغرب سحب الثقة منه.
الآن في عهد ترامب هناك اشياء يمكن ان تكون هي التي بنينا عليها تصورنا أن الولايات المتحدة يمكن أن تغير سياستها اتجاه قضية الصحراء الغربية: أولا: شخصية ترامب المتقلبة المزاج التي لا تحترم قواعد السياسة العامة في الكثير من الأحيان، ورغم ذلك وبصراحة فإن الكثير من الصحراويين حبذوا فوز ترامب نكاية بصداقة هيلاري كلينتون مع المغرب. في تصورنا الآن- وهذا سطحي بعض الشيء- أن الولايات المتحدة يمكن ان تغير موقفها بسبب أن ترامب منزعج جدا من دعم المغرب لهيلاري كلينتون اثناء الحملة الانتخابية، وأن جون بولتون الذي يصفه البعض بأنه “صديق” للصحراويين هو الآن في الإدارة ويمكن أن يغيير من موقف الولايات المتحدة في قضيتنا. هذا كله في الحقيقة سطحي ولم يصل بعد إلى العمق. هناك نقطة مهمة أهم من هذا كله وهي ان الولايات المتحدة الامريكية تحاول اقناع الجزائر بالتخلي عن معادلة 51 بالمائة في ميدان الاستثمار لتفتح السوق أمام الشركات الأمريكية؛ ثالثا: هناك نقطة، مهمة هي الأخرى، تتعلق بتمويل الولايات المتحدة الامريكية المينورصو، وهي ان الولايات المتحدة أعلنت أنها لن تبقى تدعم المينورصو الى ما لانهاية، وهذه النقطة كان قد طرحها جون بولتون حين كان سفيرا للولايات المتحدة في الامم المتحدة سنتي 2005م و 2006م، وهو الآن متواجد في السلطة مع ترامب ويكرر نفس الشيء. ففي 5 اكتوبر 2017م قدم مجلس الشيوخ الامريكي صفحة للحكومة يقول فيها انه يجب ان تتم مراجعة ميزانية المينورصو، وانها فقط هدر للمال. في كلمة المنسق السياسي لبعثة الولايات المتحدة الامريكية في نيورك أمام مجلس الأمن، امي تاشك، بمناسبة تصويت الولايات المتحدة على تمديد بعثة المينورصو يوم 27 ابريل 2018م يقول: المينورصو كان يجب ان تتم مهمتها منذ زمن(…) والان لدينا رسالتين للمينورصو: الاولى هي اننا لن نبقى منشغلين بالمينورصو والصحراء الغربية(…) والثانية اننا ندعم كوهلر، لكن ونشدد انه يجب أن يحصل تقدم في المدة القادمة وهذا هو السبب الذي جعلنا نصوت على التمديد.”
إذن، نحن أمام محرد إشارات سطحية تدل على نفاذ صبر من طرف الولايات المتحدة التي لا تريد أن يطول تواجد المينورصو الذي يرهق خزينتها ماديا، وتهدد بقطع التمويل عنها، هي وبعثات اخرى، بسبب عدم انجاز المهمة. تغير الموقف الامريكي، إذا كانت هناك إشارات تدل على ذلك، ليس بسبب تغيير الاستراتيحية أو بسبب تفهم حقيقة القضية الصحراوية، لكن فقط بسبب انها – الولايات المتحدة- لا تريد أن تهدر المال سنويا على بعثة هي أصلا فاشلة، وترامب لا يتركه كبرياءه يصافح ملك المغرب الذي وقف ضده.
بالتالي نحن لسنا أمام تغيير جوهري في الاستراتيجية الامريكية بخصوص قضية الصحراء الغربية، إنما أمام عدم تفاهم شخصي بين ترامب وملك المغرب، وأمام رفض امريكي لتمويل بعثة المينورصو التي يُعتبر تواجدها في صالح المغرب.