كتاب وآراء
ليس من المعقول ان لا نحصل على بعض ثمن اسماكنا
ركع الاتحاد الاوروبي، تحت الضغط وتحت غطاء المصلحة، لتوقيع الاتفاق غير الشرعي مع المغرب لنهب الثروة السمكية من الصحراء الغربية جهارا نهارا في تحدي واضح للقانون الدولي والأوروبي نفسه. ورغم أن طرفي السرقة اللذين وقعا الاتفاق لازالا متخوفين وغير متأكدين، إلى حد الآن، من تطبيق الاتفاق إلا أن فعل التوقيع، في حد ذاته، فضح الاتحاد الاوروبي الذي لم يعد أحد يثق لا في ديمقراطيته ولا في عدالته ولا في قانونه.
الآن يجب على الصحراويين أن يكونوا واقعيين وبرغماتيين مثلما يفعل العالم كله. الاتفاق تم توقيعه، وفي حالة أن يصادق عليه البرلمان الاوروبي – هذا مشكوك فيه إلى حد الآن بنسبة ضئيلة- سيصبح ساري المفعول، ولم يعد في ايدينا سواء أن نرفع أكف التضرع إلى الله نشكوهم له. في الحقيقة الصحراويون الآن في حالة غضب شديدة، ليس من المغرب فهو عدو، لكن من نفاق الاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنه بالغ في خداعهم بنفخه لأشداقه تغنيا بديمقراطية مزيفة وبسيادة قانون غير اخلاقي وغير موجود. الحل أنه يجب أن ” نرخي لحمنا” وننظر إلى الواقع بعيون ليست دونها نظارات حتى لا يفترسنا الغضب واليأس ونبقى نجلد ذواتنا. من المهم فهم جملة الأشياء التالية:
الشيء الأول الذي يجب أن نفهمه هو أن الاتفاق وفي مجمله فرضته أسبانيا بحكم أن 95% من السفن التي ستصطاد في المياه الصحراوية، بطريقة غير شرعية، هي سفن اسبانية، وأسبانيا إلى حد الآن لازالت تفكر أن المياه الصحراوية هي ” مياهها”، وان اتفاق مدريد سنة 1975م مع المغرب – شقه السري الاقتصادي- أعطاها الحق في نهب الثروات الصحراوية.
الشيء الثاني هو أنه من المستحيل – من مستحيل المستحيلات- أن لا يصطاد الاوروبيون- بطريقة شرعية أو غير شرعية- في المياه الصحراوية. فالسواحل الصحراوية هي من أغنى سواحل في العالم من حيث جودة وكثرة السمك، وبالتالي فلا يمكن أن يتركها هذا العالم الجشع غير مستغلة. الصيد في الشاطيء الصحراوية، بأية طريقة كانت، سيتم سواء أردنا أم تمنعنا، ولن نستطيع أن نمنعه مثلما لن نستطيع أن نغلق معبر الكركرات.
الشيء الثالث الذي لا يجب أن يغيب عن أذهاننا، هو أن الذين يفكرون منا نحن الصحراويين، أن الاتحاد الاوروبي، تحت ضغط قرار المحكمة الاوروبية سيتفاوض مع جبهة البوليساريو بدل المغرب لتوقيع اتفاق للصيد في المياه الصحراوية ، أقول لهولاء- أرجو أن أكون على خطأ- أن هذا الاتحاد الاوروبي المنافق، الباحث عن مصالحه، لن يتفاوض مع جبهة البوليساريو في الوقت الرهن.
الشيء الرابع أن المحتل المغربي كان يستطيع أن يوقع اتفاقا ثنائيا فقط مع أسبانيا، وهو ما اقترحته بعض الدول الاوروبية، بحكم أن أسبانيا هي التي تصطاد بمفردها في المياه الصحراوية، لكن المغرب رفض، وأصر على أن يكون الاتفاق باسم الاتحاد الاوروبي حتى يقحمه ككتلة في الاعتراف غير المعلن له بالسيادة على الصحراء الغربية.
الشيء الخامس هو ان المحتل المغربي أزهد كثيرا كثيرا كثيرا في الثمن الذي يتقاضى سنويا من الاتحاد الاوروبي- حوالي 40 مليون- وسبب الزهد ليس أن المغرب غير جشع وغير جائع، إنما حتى يغري الاوروبيين بتوقيع الاتفاق الرخيص حتى يفسره هو أنه اعتراف ضمني من اوروبا بسيادته الباطلة على الصحراء الغربية.
نعود إلى النقطة المهمة وهي هل سيتقاضى الصحراويون، المالكون الشرعيون للشواطئ المنهوبة، نصيبا من المال الذي سيدفعه الاتحاد الاوروبي مقابل السماح له بالصيد؟. فالتبرير الأول الذي قدمته بعض الاوساط الاوروبية ان الاتفاق تم توقيعه مبدئيا بناءا على أن المغرب تعهد أن يستشير الصحراويين في تقرير مصيرهم، وأنه أقنعهم أن يصرف أموال ثمن السمك على السكان المحليين، وأستدل في ذلك أن حوالي 100 الف صحراوي في المدن المحتلة تتقاضى رواتب على شكل إعانات اجتماعية- يعني ما يُسمى خلصة الكارطية-. لكن إذا كان الاتحاد الاوروبي قد “اقتنع” أن المغرب سيستفتي الصحراويين، وأنه يصرف رواتب الكثيرين في المناطق المحتلة، فكيف سيتعامل هذا الاتحاد مع الصحراويين اللاجئين الذين يعانون من واقع اللجوء؟ هل سيمنحهم هو الآخرون نصيبا من المال مثلما منح المغرب ولو بنسبة أقل بكثير، أم سيعطيهم تعويضات أخرى أو يصرف لهم رواتب.؟
اتصور أن الاتحاد الاوروبي لا بد أنه فكر في هذه النقطة، واتمنى والاماني أغاني فقط، أن تدرج جبهة البوليساريو مطلب تعويضات أو إعانات، ولو زهيدة، للصحراويين في المخيمات والمناطق المحتلة. أنا شخصيا مقتنع أنه من غير الأخلاقي مثلما هو الحال أنه من غير القانوني أن الاتحاد الاوروبي سيحرم الصحراويين من ثمن سمكهم، وأنه صرف النظر عن هذه النقطة، ومقتنع أيضا أنه لن يعلن أمام الملأ أنه سيسلم للبوليساريو ثمنا سنويا من ثمن السمك مثلما سيسلمه للمحتل المغربي، لكن تسليم مقابل للصحراويين، مهما كان نوعه، لا بد أن يكون قد تم التطرق إليه، والنصيحة الوحيدة الذهبية هو أن الواقعية والبرغماتية تتجسد في أنه بما أن الصيد سيتم شئنا أم ابينا، وبما أننا لا نستطيع أن نمنع الاوروبيون من الصيد في مياهنا، فيجب أن نطالب بتعويض مادي ونضعه في جوهر أية مفاوضات او ضغوط.