هويتنا وتراثنا : جمال محفوف بالمخاطر !
إن الله جميل يحب الجمال ، في هذا القول أكثر من دلالة على خلق الله سبحانه وتعالى ، فالله جلت قدرته أضفى على الكون برمته أسمى آيات الجمال التي يعجز أي كان عن محاكاته في إبداعها ، وشاءت قدرته بأن يمنح الإنسان أعظم خلقه في الأرض بعضا من ذلك ، بأن خلقه في أحسن تقويم ليعرف مكامن الجمال في نفسه وليتربى عليها ، ويتعلم كيف يتعامل بها ، انطلاقا مما وهبه الله له من قدرات ذهنية وعقلية تجعله يتذوق كل ما هو جميل في أي منحى من مناحي الحياة ، هذا إضافة إلى البنية الجسدية التي من الله عليه بها ، والتي تسمح له بتجسيد ذلك الجمال على أرض الواقع انطلاقا من معرفته ومهارته في إبداع معاني وصور الجمال ، على سطح الأرض التي اصطفاه الله للعيش عليها محتكا بكل ماتحتضنه من خلقه ومخلوقاته .
وزينة وجمال الإنسان، هي تلك التي تبقى ولا تزول بزوال الأشخاص، أي تلك التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ، كونها صورة خالدة في أسمى وأجلى معاني الجمال الأبدي ، الذي يحفر في الذاكرة ويثبت ، ويستوطن الوجدان ويمكث ، ويرافق التصرف الراقي ويعكس حقيقة الحياة المتميزة بتميز المجتمعات والأمم على مر التاريخ .
والإنسان الصحراوي الممتد نسبه من أغوارا لماضي ، المستمر إلى الحاضر ، والمتطلع إلى ترسيخه أكثرفي مستقبل زاخر ينشده ، فلا غرو بأن يكون هو الآخرعلى بينة من هذا الجمال ومكنوناته عبر تاريخه المرير، وهو إذ يصل هذه الدرجة من الوعي والتأمل والإدراك ، فذلك ابتغاء للديمومة و الوجود، فمن لا آثار له ، لا أثر له ، في زمن تكثر فيه التداخلات في أبسط الأمور، والتجاهل لأبسط الحقوق الشرعية المستمدة من الخالق جل وعلى ، ومن الطبيعة والأرض التي كتب له بأن يعيش عليها .
وسيمات الجمال هذه التي نتحدث عنها لا تعني الجانب الفيزيولوجي فحسب،حيث سواد العيون ، رقة الابتسامة ، نضارة الوجه ، وحسن القوام، هذه ميزات مرحلية تنتهي بانتفاء الأشخاص ، ولكن ما نتحدث عنه يتعدى ذلك بكثير، فإنما الجمال جمال العلم و الأدب ، جمال النفس المبدعة ، جمال الروح المحافظة ، وجمال القلب الودود والذاكرة القوية التي تحن إلى الماضي بتميزه وتعمل على تجسيده في الحاضر ، وتتوق إلى استشرافه في مستقبل زاهر مضمخ بأريج الأصالة وعنفوان الصمود والاستمرارية.
هنا نصل إلى بيت القصيد الذي هو جمال فريد من نوعه ، جمال يلفت الانتباه إلينا ، ويجعل الغير يقدرنا ويحترمنا ، جمال يفرج عن المكلوم كدره، وعن المتحسر حسرته ، وعن المتشائم شؤمه ، جمال يكمن في هويتنا وتراثنا ، منبع الفخر لنا جميعا، مدعاة النسب الخالص ، روح المجتمع الفاضل الذي ننشده ، ونبراس الشخصية السوية المتأصلة في ربوعها ، رغم كيد الكائدين ، رغم الطمس ، رغم التشويه ورغم التزوير .
جميل أن يحيا الإنسان مرفوع الهامة ، معتزا بماله من فضائل ومن تراث ، وبما عليه من واجب لصيانة ذلك وضمان سيرورته، وجميل أيضا أن يترك بصماته جلية واضحة وضوح الشمس من خلال ما أبدعت وتبدع يداه من آيات الجمال في هذه الحياة التي لكل مجتمع فيها منحى يميزه عن غيره في جوانب كثيرة من خلال تعاطيه معها والخوض في شؤونها وكل حيثياتها ، فمن خلال هذه البصمة يضبط المتلبسون ، ويكشف القناع عن الذين تساورهم أحلام الاستيلاء على ثقافة وهوية الغير .
جمالنا نحن الصحراويون في بصمتنا التي تختصركل معاني الجمال في ذاتنا ، فهل نترك دقائقها تتلف كي تصبح غير مقرأة وغير واضحة للغير؟ هل نترك وجهنا الحضاري في العراء كي تنهشه الذئاب الضالة وتفسد ملامحه ؟ من سيعرفنا بعد ذلك ؟ أم أن العطار سيفلح في ما أفسد الدهر ؟ .
لا و ألف لا مادامت ” الشوكة من صغرها أمحدة ” ومادام الإنسان الصحراوي ، كلما اكفهرت السماء ، أو تلبدت بالغيوم ” ايوني سابك ما جاه السيل “، فهويتنا وتراثنا على المحك ، ولا يجب أن نترك أعداءنا الذين لارتبطنا بهم أية صلة في هذا الإطار، يصولون ويجولون ، يغدون ويروحون في ساحتنا ، يخلطون ويمزجون ، يغيرون ويحرفون في هويتنا وتراثنا ، لقد آن الوقت بأن نوقف هذا المد ، وهذا السيل الجارف ، الهادف إلى القضاء علينا وعلى مقوماتنا ، فلنقف له بالمرصاد وبالتشمير عن سواعد الجد ، لننفض الغبار وكل ماعلق بهويتنا وتراثنا من الشوائب جراء ما يبثه الأعداء من سموم ، وما يروجون له من مغالطات عبر مختلف الوسائل ، فعلينا أن نقوم بعمل جبار في هذا الشأن لإثبات وجودنا وإظهار جمالنا وجمالياتنا على حقيقتها لمن هو جاحد وناكر لأثرنا في هذه الحياة ، بل و يشكك في قيمنا النبيلة ، وفي أهدافنا السامية لأجل البقاء والتميز، فلنفند كل الأكاذيب الواهية التي تروج عنا وعن وجودنا ، ولنطل على العالم بوجه مشرق وضاء يحمل في كل تقاسيمه ماض عريق وحضارة راقية للإنسان الصحراوي تنم عن هويته الضاربة بجذورها عبر التاريخ ، وعن تراثه الخالد والزاخر بالجمال والتميز .