التداعيات المحتملة على القضية الصحراوية بعد تعيين جوزيب بورّيل على رأس الخارجية الإسبانية
قبل تعيينه بيوم كنت قد نشرت تغريدة على صفحتي الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي، تويتر، اُعبِّر فيها عن أميني كصحراوي بأن لا يتم تعيين السياسي الإشتراكي الكتلاني، جوزيب بورّيل، في منصب وزير الخارجية. وعلى الرغم من أنّ علاقة القضية الصحراوية بإسبانيا تتجاوز منصب وزير الخارجية لتشمل كل القطاعات، بدءاً بالمؤسسة الملكية المتوطئة مع الإحتلال المغربي ودورها الفعّال في منع أي حكومة من الإعتراف بالمسؤولية التاريخية لإسبانيا، مروراً بكل الوزارات والمصالح الإسبانية وانتهاءاً بالبلديات والمقاطعات التي تربطها علاقات أكثر دفئاً بالشعب الصحراوي… لكن حقيبة الخارجية الإسبانية تفرض على صاحبها التعاطي بشكل مباشر أكثر من غيره مع الملف الصحراوي سواءاً بالأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي، أو حتى في تسيير العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد.
وزير الخارجية الإسبانية الجديد هو، جوزيب بورّيل، كتلاني من مواليد 1947، بدأ حياته السياسية سنة 1982 في حكومة فليبي غونثاليث، كأمين عام للموازنة العامة للدولة، ليتمّ تعيينه سنة 1984 كأمين عام لوزارة الخزانة الإسبانية، قبل أن يتولّى سنة 1991 وزارة الأشغال العمومية والنقل في حكومات فليبي غونثاليث دائماً. كما ظلّ نائباً بالبرلمان الإسباني عن مدينة برشلونة منذ سنة 1989 إلى غاية سنة 2000.
في نهاية التسعينات زاد طموح بورّيل في أن يصبح رئيساً للحكومة الإسبانية، ليخوض السباق ضد الأمين العام للحزب الإشتراكي آنذاك، خواكين آلمونيا. هذا الأخير رغم أنّه كان مدعوماً من، فليبي غونثاليث، إلّا أنه خسر الإنتخايات لصالح بورّيل الذي تنازل عن المنصب سنتين بعد ذلك بسبب تورّط مقربين منه في قضايا فساد. وبعد فشله في تحقيق حلمه بالوصول إلى رئاسة الحكومة الإسبانية غير بوصلته بإتجاه المؤسسات الأوروبية، حيث نجح في ترأس البرلمان الأوروبي لثلاث سنوات (2007-2004)، وبعد رئاسة البرلمان الأوروبي تم تعيينه في رئاسة المعهد الجامعي الأوروبي الذي يقع مقرّه بإيطاليا.
وفي السنوات الأخيرة كثرت الخرجات الإعلامية لبورّيل التي ينتقد فيها المسار الإستقلالي الكتلاني، حيث يُعتبر من المتشددين ضد الأحزاب الإستقلالية الكتلانية وهو ما يجعل موقفه هذا يتماشى مع مواقف اليمين الإسباني. كما أصدر كتاباً يُكذّب فيه الخطاب الإستقلالي ويصف حججه وأدلته بالأكاذيب. ومن بين التصريحات المثيرة للجدل التي سبق وأن أطلقها الوزير الحالي للخارجية الإسبانية مطالبته “بتنظيف الجروح قبل علاجها” في إشارة إلى تصفية زعماء المشروع الإستقلالي الكتلاني.
رغم أنّ السياسة الخارجية الإسبانية عموماً لا تخضع لمزاج الوزير ولا حتى لإنتمائه الحزبي، تحديداً العلاقة مع المغرب التي تعتبرها إسبانيا خاصة وحساسة، ورغم إدراك الوزير الجديد لحقيقة الملف الصحراوي، فقد عايشه كوزير مع حكومة فليبي غونثاليث، التي رسمت للحكومات المتلاحقة طريقة التعامل مع القضية الصحراوية، من خلال إرضاء المغرب وترجيح مصالح إسبانيا الإقتصادية والأمنية على حساب مسؤولياتها التاريخية ونبض الشارع الإسباني، غير أن كل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن جوزيب بوريل سيسر على نفس النهج الذي كانت عليه السياسية الخارجية للحزب الشعبي، فالرجل له حساسية مفرطة مع الحركات الإستقلالية وخاصة الملف الإستقلالي الكتلاني، ورغم أنه لا وجود لأي شَبَهٍ بين القضية الصحراوية والكتلانية إلا أن كون السياسي الكتلاني من أشد المنتقدين للإستقلاليين الكتلان فقد يُلقي ذلك بظلاله، بشكلٍ أو بآخر، على تصريحاته وخرجاته الدبلوماسية ومواقفه في العلاقة بين مدريد والرباط. أما العامل الآخر فيتمثل في كون، جوزيب بورّيل، ينتمي للجناح الجد محافظ داخل الحزب الإشتراكي، فهو صاحب توجه براغماتي مصلحي يقوم على تقديم المصالح الإسبانية أولاً ثم الأوروبية ثانياً قبل أي مراعاة للشرعية الدولية أو حتى قرارات محكمة العدل الأوروبية فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، خاصةً وأنّ المفوضية الأوروبية مطالبَة بالتوصل لإتفاق صيد بحري جديد مع المغرب قبل نهاية الشهر الجاري.
ما وجب الإشارة إليه هو أنّ سياسات الحزبين الشعبي والإشتراكي بخصوص القضية الصحراوي هي متشابهة إلى حدّ التطابق، لكن الأذى الأكبر كان دائماً يأتي للصحراويين في عهد الإشتراكيين منذ فليبي غونثاليث الذي تنكر لوعوده التي أطلقها بالأراضي المحررة سنة 1976، إلى ثاباتيرو الذي طبّع مع الإحتلال المغربي، مزوداً إياه بمعدّات وقنابل بأسعار رمزية ثم زار الداخلة المحتلة وهي المرة الأولى التي يُقدم فيها مسؤول إسباني رفيع على زيارة المناطق المحتلة.
فلا نامت أعين الجبناء .
بقلم : حمدي حمودي