كتاب وآراء

محاولة تكريس الوصاية المخزنية على الصحراء الغربية

بقلم: فيليبي بريونيس بيبيث ،مدّعٍ عام اسباني

ترجمة: محمد ليمام محمد عالي سيد البشير

العام 1975 يستمر حظر التجوال في كامل التراب الصحراوي، وتأمر السلطات الإسبانية، قصد عرقلة المظاهرات الصحراوية المناهضة لتسليم الإقليم إلى المغرب، بتطويق الأحياء الرئيسية للمدن بالأسلاك الشائكة. كانت إسبانيا قد سلّمت للمغاربة ملفات وسجلات جميع الصحراويين. قوائم بمناضلي البوليساريو، والمتعاطفين معها و حتى المشتبه بهم فقط، معلومات عن المساكن والتنقلات الخاصة بالأشخاص والعائلات، الأنشطة، والخلفيات السياسية… كل ذلك قدّمته السلطات الإسبانية لحلفائها التوسعيين.
تذكّر مجلة La revista Blanco y Negro أن دون خوان دي بوربون كان قد زار الرباط في يناير من عام 1975 بدعوة من الملك المغربي. وعند حديثها عن جدول أعمال الزيارة، تسلّط الضوء على ما يتعلق بسيادة الصحراء. وتؤكد الأسبوعية، التي كان يديرها نائب رئيس المكتب الصحفي لكونت برشلونة، لويس ماريا أنسون، أن الحسن الثاني قد قدّم التعويضات التالية: “قاعدتان عسكريتان كضمان لجزر الكناري؛ خمسون بالمائة من استغلال مناجم فوسبوكراع؛ وأخيرًا، ضمان لأنشطة الصيد للصيادين القادمين من جزر الكناري”. وتضيف المجلة أن الملك أوضح لدون خوان أن الصحراء حيوية بالنسبة للمغرب؛ وأن الاستفتاء سيؤدي إلى إقامة نظام راديكالي على حدوده بدعم جزائري؛ وأن العرش العلوي، المحاصر من كل الحدود، قد يُسقَط؛ وأن إسبانيا ستجد نفسها حينها على بُعد كيلومترات قليلة من بلد—المغرب—ضمن فلك الاتحاد السوفييتي، وهو ما كان يبدو له خطيرًا على الاستقرار الإسباني، بالنظر أيضًا إلى الوضع في البرتغال. “وقام دون خوان—تختتم الصحيفة—بصياغة تقرير شامل عن اللقاء وأرسله إلى ابنه الأمير خوان كارلوس”.
وهذا يحيل الى القول بأن اتفاقيات مدريد الثلاثية في نوفمبر 1975 كانت ترعى الإبادة الجسدية أولًا، والسياسية لاحقًا، للشعب الصحراوي. لكن خطةً كهذه كانت مبنية أيضًا على أسس قانونية وسياسية وأخلاقية خاطئة، وعلى حسابات مضللة ستقودها إلى الفشل.
كان الصحفيان رافائيل ويرث وسوليداد بالاغير يرويان ما كان يحدث على النحو التالي: “كان الناس يفرّون، بالمعنى الدقيق للكلمة. كانوا يفرّون كما يستطيعون: سيرًا على الأقدام، بالسيارة، بعضهم على الجمال، ومعهم قطعانهم إذا أمكن، لكن غالبًا لا يملكون سوى قنينتين من الماء وقليلًا من الأرز، وغطاء وعصًا ككل ممتلكاتهم.
الذين وصلوا إلى مخيمات اللاجئين كانوا أناسًا لا يملكون شيئًا، لا يعرفون حقًا ما يفعلون، وغالبًا ما كانت عائلاتهم مدمرة. مرّوا بكم هائل من الحرمان والمعاناة للوصول إلى هناك. كثير منهم ساروا أيامًا وليالي حتى يصلوا إلى إحدى نقاط البوليساريو المتقدمة التي كانت تجوب الصحراء لجمعهم. العدد الكبير من الأطفال الذين، بعد مسيرة طويلة في الصحراء، مع برد الليل الصحراوي القارس، أصيبوا بالشلل التام لأن عضلاتهم الفتية لم تستطع تحمّل هذا الجهد الهائل؛ والنساء الحوامل اللواتي وضعن حملهن قبل الأوان، ولم يكن لديهن سوى الأيدي المتسخة لأقاربهن كوسيلة للتعقيم.”
من بين 30 ألف نسمة من سكان مدينة العيون، لم يبقَ تحت الاحتلال المغربي سوى نحو 6 آلاف؛ والنسبة نفسها تنطبق على الداخلة والسمارة ولكًويرة. العديد من البلدات الأخرى تمّ إخلاؤها بالكامل.
كان الغزو والاحتلال اللاحق للأراضي الصحراوية من قبل المغرب بدايةً لنظام فصل عنصري، وانتهاك منهجي لأبسط الحقوق، ليس فقط المدنية والسياسية للسكان الصحراويين، سواء في الأراضي المحتلة أو الذين اضطروا لتحمّل قسوة المنفى، بل أيضًا لسلامتهم الجسدية، حيث كان العديد منهم ضحايا للاختفاء القسري على يد أجهزة الأمن المغربية. تحوّل كل الإقليم المحتل إلى منطقة مغلقة من القمع الوحشي ضد سكان عُزّل دون أي إمكانية للتواصل مع العالم الخارجي. قمع، إهمال، كره ينهش القلوب. الاعتقالات التعسفية، التعذيب الممنهج، اقتحام البيوت والإعدامات الميدانية كانت ممارسة اعتيادية لا حماية منها. الموارد الطبيعية، حتى غير المتجددة منها، نُهبت بجشع محموم وبإفلات تام من العقاب. وحتى الإبادة الثقافية للهوية الصحراوية، بدءًا من المولود الجديد عبر منع اختيار الاسم واللقب.
ستة عشر عامًا من الحرب لطرد المحتل، هدموا فيها “جدار العار”؛ آلاف القتلى؛ إرادة الحرية المعبّر عنها بألف شكل؛ قرار قاضي التحقيق المركزي رقم 5 في المحكمة الوطنية الإسبانية بملاحقة مسؤولين مغاربة كبار بتهمة الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الشعب الصحراوي بين 1975 و1991؛ خطة الحكم الذاتي التي ابتكرها المغرب عام 2007 ورفضها حينها مجلس الأمن؛ الاتفاقيات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب المتعلقة بالصحراء الغربية التي أبطلتها محكمة العدل الأوروبية…
وعلى الرغم من كل ذلك، وبعد تفكيك مخيم أكديم إيزيك الذي كانت نتيجته أحكامًا بالمؤبد و20 و25 و30 سنة سجنًا، يعاود النظام المغربي بشكل ساخر، دون أي تغيير، تقديم “حكم ذاتي” للشعب الصحراوي ليقوموا، بلا مواربة، بتفكيك دولتهم، الجمهورية، والتخلي عن الاستفتاء وعن إرادتهم الدائمة في الاستقلال، ووقف الكفاح من المناطق المحررة، والنشاط السياسي من المناطق المحتلة، والصمود من مخيمات اللاجئين، والدخول إلى الصحراء… مقابل ماذا؟ مقابل أن يستقرّوا نهائيًا تحت عباءة المخزن المغربي، النخبة الحاكمة التي تملك السلطة الفعلية حول الملك، رئيسًا ومالكًا لكل شيء. تحت نظام قمعي سيبقى راسخًا. بصراحة، لا يمكن تصور اقتراح أكثر غرابة وجفافاً بالنسبة لمن يعرف تاريخ الصحراء الغربية وخصوصية شعبها.
هذه الخطة تنطلق من فرضية زائفة مفادها أن المغرب يمتلك السيادة على الصحراء الغربية، وبالتالي يمكنه منح حكم ذاتي. السيادة تعود لشعب الصحراء الغربية. كما تستبعد أن أي حل يجب أن يكون مقبولًا مسبقًا ومتبادلًا من الطرفين، بل إن الخطة تنتهك أيضًا إرادة المغرب والبوليساريو نفسيهما اللذين وقّعا خطة التسوية لعام 1990-1991، ووافقا على أن الاستقلال سيكون أحد خيارين في استفتاء الشعب الصحراوي. باختصار، الخطة نفسها تشكّك في الوضع القانوني الدولي للصحراء الغربية كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي ينتظر استكمال مسار تصفية الاستعمار، كما تروج لحل لا يُحتمل للأقاليم التي غزيت عسكريًا واحتُلت بشكل غير قانوني.
وإسبانيا؟ آه، إسبانيا!… يمكن لأي بلد أن يصطفّ مع أطروحات المغرب. لكن ليس إسبانيا. فوفق الأمم المتحدة، ما تزال إسبانيا هي القوة الاستعمارية في الصحراء الغربية حتى اليوم. واستنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة، فإن على إسبانيا التزامًا قانونيا بمساندة الادارة الذاتية لحركة التحرير الصحراوية ودعم تصفية الاستعمار في الإقليم. إن موقع إسبانيا هو بجانب الصحراء الغربية وشعبها، وليس الى جانب المغرب. ومغامرة رئيس الحكومة الإسبانية المؤيدة للحكم الذاتي في الصحراء الغربية—وهو إعلان يفتقر أصلًا إلى الاختصاص—هو أيضًا باطل لأنه يلغي الاستفتاء الذي يتضمن خيار الاستقلال. والاستفتاء وخيار الدولة الحرة للشعب المعني هما المفتاحان لحدوث تصفية استعمار سليمة.
ومع نظام مغربي لا يريد سماع كلمة استفتاء، بل يعتبر ذلك إهانة دولية، وغير قادر على إدارة حكم ذاتي في الصحراء ولا على منحه لمناطق مغربية تطالب به فعلًا مثل الريف أو سوس، فإن الواقعية السياسية تقضيى باستقلال الصحراء الغربية، باعتبارها القطعة الوحيدة المفقودة في رقعة “مغرب الشعوب”.
* فيليبي بريونيس بيبيث كان حتى العام الماضي مُدّعياً عاماً لمكافحة الفساد في مدينة أليكانتي، يعمل حالياً كمدّعٍ عام في القسم الجنائي بالمحكمة العليا. وقد عاشت أسرته بين عامي 1960 و1975 في مدينة العيون. وهو مؤلف لعدة كتب ومقالات حول نزاع الصحراء الغربية. شارك العام الماضي، إلى جانب العديد من القضاة ووكلاء النيابة وخبراء من مناطق مختلفة من العالم، في الملتقى الدولي الأول لفقهاء القانون بمخيمات اللاجئين الصحراويين. وهو الحدث الأول من نوعه خلال ما يقارب خمسين عاماً من نزاع الصحراء الغربية، نُظّم بشكل مشترك من قبل الاتحاد التقدمي لوكلاء النيابة (UPF)، وقضاة من أجل الديمقراطية (JJpD)، واتحاد الحقوقيين الصحراويين (UJS)، واللجنة الوطنية الصحراوية لحقوق الإنسان (CONASADH)، وجمعية أولياء المعتقلين والمفقودين الصحراويين (AFAPREDESA).

محمد ليمام محمد عالي سيد البشير، سفير الجمهورية الصحراوية لدى كينيا.

رابط المقال بصيغته الأصلية:

Opinión

Pretenden perpetuar al majzén en el Sáhara Occidental

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

محاولة تكريس الوصاية المخزنية على الصحراء الغربية

by liga time to read: <1 min
0
إغلاق