المغرب يخطب ود إيران بطريقة غير مباشرة !
قرأت وسمعت في بعض وسائل الإعلام عن بوادر حالة من التقارب بين المغرب وإيران ، ولا أدري ما هي الدوافع الى ذلك ، إذا ما علمنا بأن إيران لا ترى قيمة سياسية ولا إقتصادية ولا أمنية يمكن أن يعتد بها من خلال هذا التقارب المأمول من طرف المغرب خاصة ، وهذا في وقت تتقدم فيه إيران نوويا وتتطور عسكريا وتبرم إتفاقيات دفاعية وأمنية هامة مع روسيا ، ويتسع فيه نفوذها في الشرق الأوسط خاصة .
لقد أوضحت بعض المصادر أن المغرب يشترط لذلك التقارب ، سحب إيران دعمها لجبهة “البوليساريو” ووقف كل المساعدات التي تقدمها لها.
هذا ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن مصادر خاصة أخرى أن سلطنة عمان تقوم بدور الوسيط الرئيسي في المشاورات بين المغرب وإيران، وذلك بهدف إعادة العلاقات بين البلدين بعد انقطاع دام لفترة طويلة.
وفي هذا الإطار أيضا ، أشار أستاذ العلوم السياسية الدكتور المغربي تاج الدين الحسيني، في حديث لـ”سبوتنيك”، إلى أن الوضع الإقليمي الحالي يضع إيران في “موقف صعب”، مضيفا أن هذا الوضع “يتطلب تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، خاصة بعد الضربات التي تعرضت لها أذرعها في الشرق الأوسط”.
كما أضاف الحسيني أن المغرب يلعب دورًا محوريًا داخل العالم الإسلامي، وأن عودة العلاقات بين إيران ودول مثل السعودية قد تشجع إيران على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه المغرب .
ويبدو من خلال ما سبق أن المغرب هو من يخطب ود إيران وليس العكس ، فمن يعيش اليوم في عزلة جهوية ودولية وتتربص به الأزمات على مختلف المستويات هو المغرب .
ومن المعلوم أن كل من إيران والمغرب تسيران في خطين متوازيين ، ولا أعتقد أنهما سيلتقيان بالنظر الى العداء المزمن بين الشرق والغرب ، وبالنظر الى موقفي البلدين المتباينين في طبيعة العلاقات مع إسرائيل .
وبالتالي فإني أستغرب تصريح تاج الدين الحسيني هذا ، الذي يستخف فيه بإيران وبمكانتها الإقليمية المتصاعدة ، ويستهين فيه بقوة المقاومة وبما تحققه من إنجازات أنهكت الكيان الإسرائيلي وأعوانه ومرغت سمعتهم بالتراب ، ولا غرابة أن يتماهى تصريح هذا الأستاذ المغربي مع علاقة التطبيع التي تربط بلده بإسرائيل ، والتي جسدتها الزيارات المتبادلة بصفة رسمية والإتفاقيات العسكرية والأمنية الموقعة بينهما ، ناهيك عن الدعم الذي تجلت ملامحه في الصمت المطبق لرئيس لجنة القدس وعدم إدانته للجرائم التي ترتكبها إسرائيل يوما في حق أبناء جلدته الفلسطينيين ، ناهيك عن تلك السفينة المحملة بالسلاح والمتجهة نحو إسرائيل وسمح لها المغرب دون تردد بالرسو في ميناء طنجة ، بعدما رفضت إسبانيا إستقبالها ردا على الإبادة الجماعية والدمار الممنهج الذي يطال قطاع غزة ، ويخلف العديد من الضحايا يوميا جلهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزل بصفة عامة .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن القول بأن إيران تدعم البوليساريو ، فتلك كذبة مردود عليها ، فإيران إعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير 1980 ولكن لم يسبق لها أن دعمت البوليساريو عسكريا ، وما يسوقه الإحتلال المغربي يأتي فقط في إطار تغريده مع السرب الغربي الذي لا يتوانى في دعم إسرائيل ومجاراتها في عدوانها السافر وهمجيتها النكراء التي مازالت تحصد أرواح الفلسطينيين العزل دون أدنى تحرك من المغرب وأسياده لكبح جماحها وجعلها تستجيب لإرادة المجتمع الدولي الرامية الى توقيف إطلاق النار حقنا لدماء الأبرياء وإحتراما للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني .
فالبوليساريو حركة تحرير وطني وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي ، وإلا لما تعاملت معها الأمم المتحدة ، ولما كانت تحضر جلسات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية الصحراوية ، ولما صدر بحقيقة شرعيتها حكم محكمة العدل الأوروبية الأخير، وبالتالي من حقها أن تحصل على الدعم والمساندة من كل مناهضي الظلم والطغيان ومن كل محبي العدل والسلام ، ولا أحدا بحكم مواثيق وقرارات الشرعية الدولية بإستطاعته منعها من ذلك ، وستظل جبهة البوليساريو تواصل كفاحها على هذا النهج ودون تردد الى أن تحقق إرادة الشعب الصحراوي الراسخة في الحرية والاستقلال .
وفي الأخير أظن أن آخر ما تفكر فيه إيران هو عودة العلاقات بينها وبين المغرب ، خاصة وأن هذا الأخير متذبذب ولا يتمتع بالمصداقية وحسن النية في علاقاته مع الدول ، ويكفي أنه كان الى وقت قريب على خلاف مع فرنسا وقبل ذلك مع إسبانيا وألمانيا وكلهم من المعسكر الغربي ، فكيف به ألا يعيد الكرة مع إيران التي تختلف عنه في التوجه العام وسبق ان شهدت علاقاته معها حالات من المد والجزر ، لا يمكن أن تشكل حافزا لإعادتها من جديد لا سيما في ظل ما يجري في الشرق الاوسط وما يعرفه العالم اليوم من تكتلات مناوئة لكل أشكال الهيمنة وصنوف الظلم والطغيان .
بقلم : محمد حسنة الطالب