الى متى والولايات المتحدة الأمريكية تغرد خارج سرب العدالة الدولية ؟
إستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو في جلسة لمجلس الأمن الدولي يوم 20 نوفمبر 2024 ضد قرار يهدف الى وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، الذي شهد حرب إبادة وتجويع مازالت تشنها الآلة العسكرية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023 ردا على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس ، بعدما ضاق الفلسطينيون ذرعا من ظلم ذلك الكيان اللقيط الذي تغول على أرضهم وإستتباح كرامتهم في ظل صمت عربي ودولي مطبق لا حياء ولا حياة فيه لإخوة ظل يناديهم الدم العربي المسفوك ظلما وعدوانا منذ وعد بلفور 1948 .
يعرف الفيتو بعد ترجمته الى العربية بحق النقض ، وأي حق وهو في الواقع أداة باطل في يد القوى العظمى ، وأي عظمة تلك التي تنطوي على الظلم وقوة المصالح والجنوح الى توسيع النفوذ وبسط الهيمنة ، التي إنتهكت كل الأعراف والقيم والمبادئ الإنسانية التي أساسها العدالة والمساواة وإحترام كرامة الإنسان وحقه المشروع في العيش بأمن وسلام في عالم يفترض ألا مكان فيه لقانون الغاب .
لقد إستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفيتو اللعين وهذا الحق الذي يراد به باطل أربع مرات بحق أهل غزة ، وكان بمثابة ضوء أخضر يفسح المجال في كل مرة لإسرائيل لمواصلة عدوانها الهمجي وإرتكاب المزيد من المجازر التي يندى لها الجبين في صفوف المدنيين الفلسطينيين العزل بقطاع غزة ، وتدمير ما تبقى من بناهم التحتية التي تأمن لهم الإستمرار على قيد الحياة في هذه البقعة الأرضية المنكوبة والمحاصرة أصلا من طرف إسرائيل منذ فوز حركة حماس بالإنتخابات التشريعية الفلسطينية يناير 2006 .
لا أحد اليوم يمكن أن يساوره شك في همجية أمريكا وطغيانها الذي تجاوز الحدود وأتى على كل القيم والأعراف الإنسانية التي يحكمها العقل وتميزها الأخلاق ، وما تورطها في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ، إلا دليل واضح على أنها هي قطب الرحى ومصيبة المصائب في كل ما يدور في فلسطين ولبنان وفي الشرق الأوسط والعالم أجمع ، وفي ظل هذا الوضع المرير لم يعد بإمكان أمريكا تغطية الشمس بالغربال ، فسياساتها الرعناء وتدخلاتها العدائية في كل مكان تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان والذرائع الأمنية ومكافحة الإرهاب وما الى ذلك ، أثبتت الأحداث مع مرور الوقت أن كل ذلك كان لحاجة في نفس يعقوب ولا نية خالصة لها إطلاقا في ما يجري على الساحة الدولية من أحداث كان ومازال الإنسان ضحية لها الى اليوم ، والأمثلة كثيرة على ذلك في ما جرى في العراق مثلا وفي وليبيا وسوريا وغيرها .
وما وقوف بلاد العم سام الثابت الى جانب الكيان الإسرائيلي وإحاطته بالحماية والدعم السياسي والعسكري السخي أمام محور المقاومة ، والدفاع المفضوح عنه أمام أحكام الجنائية الدولية التي صدرت اليوم في حق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت ، إلا خير دليل على أن الولايات المتحدة الأمريكية تهوى التغرد دائما خارج سرب العدالة عن سابق إصرار وترصد ، بدليل ترددها وعدم إنخراطها ضمن الدول المؤيدة لتأسيس محكمة الجنايات الدولية ، حيث بادر الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى التوقيع على نظام روما يوم 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2000، غير أن خلفه جورج بوش الإبن ألغى ذلك التوقيع في مايو/أيار من عام 2001، ودشن حملة عالمية ضد المحكمة، انتهت إلى الفشل.
وبالنظر الى حاجة المجتمع الدولي الماسة إلى حماية الإنسان أثناء الحروب وما ينتج عنها من جرائم إبادة وتطهير خطير لا ينبغي أن يمر دون عقاب ، جاء تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية في الأول من يوليو/تموز عام 2002 بموجب ميثاق روما، الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من نفس السنة ، بعد أن تجاوز عدد الدول المصادقة عليه ستين دولة ليصل العدد فيما بعد الى 114 دولة تبنت كلها قانون المحكمة وآثرت على نفسها السهر على تطبيقه والإمتثال له .
وللعلم تكمل محكمة الجنايات الدولية القضاء الوطني للدول الأعضاء ، ويقع مقرها في مدينة لاهاي بهولندا، وتمثل المآل الأخير للنظر في القضايا المستعصية المتعلقة بالتحقيق مع المتهمين بجرائم إنسانية .
ولكي نعرف حقيقة الشعارات الوهمية التي ترفعها أمريكا في مجال حقوق الانسان، يكفي فقط أن نقارنها مع تصرفاتها في الواقع ومدى تطابقها الفعلي مع الأهداف التي أنشئت من أجلها محكمة الجنايات الدولية ، ويتسنى لنا ذلك من خلال المزايا والأهداف التالية لهذه الأخيرة :
1_ تضطلع محكمة الجنايات الدولية بفرض احترام حقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم، وذلك عبر التحقيق في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
2_ تختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بـ:
أ_ جرائم الإبادة الجماعية: وتعني حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا.
ب_ الجرائم ضد الإنسانية: وهي أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق.
ج_ جرائم الحرب: وتعني كل الخروقات المرتكبة بحق إتفاقية جنيف لسنة 1949 ، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.
كل هذه الأهداف والمقاييس الداعية الى المحاسبة والعقاب ، توفرت في إسرائيل من خلال عدوانها الهمجي على قطاع غزة ، وفي أمريكا التي شجعتها على التمادي في إرتكاب هذه الجرائم النكراء ، بل ودعمتها بمختلف آلات القتل والدمار ، وساعدتها بإعمال الفيتو مرارا وتكرارا لذات الغرض ، ويبقى السؤال المطروح هو الى متى تظل أمريكا شاردة عن العدالة وتكيل بمكيالين في القانون الدولي وتنتهج إزدواجية المعايير في سياساتها الرعناء المهيمنة على العالم ؟
لقد بلغ السيل الزبا وبات من الضروري وأكثر من أي وقت مضى كبح جماح هذه الدولة المارقة وإعادتها الى جادة الصواب ، وهناك إمكانية لذلك تتمثل في التكتل ضدها وعزلها بوصفها نذير شؤم يجب أن يتطير منه كل محبي العدل والسلام في مختلف أرجاء المعمورة.
بقلم : محمد حسنة الطالب