من المحتمل إن لم يكن من شبه المؤكد وقوف فرنسا ونظام المخزن وراء المقترح الذي قدمه الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية السيد ستيفان ديمستورا لمجلس الأمن الدولي في جلسته السرية ، والقاضي بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو .
لا شك في أن النظام المغربي أصبح يستشعر خطر الزوال بسبب سياساته الظالمة ومواقفه المشبوهة التي تجاوزت إرادة الشعب المغربي وحقه في العيش الكريم وفي التعبير عن رأيه والمساهمة في رسم سياسات بلده ، وهذا ما يتضح جليا في الواقع المزري للمغاربة وفي مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي أتت على الأخضر واليابس وفي القهر الممنهج لغليان الشارع ، ناهيك عن خيانة فلسطين وتغلقل الإسرائيليين في العديد من مفاصل الدولة المغربية ، ووصولا الى الهزائم العسكرية ، الدبلوماسية والقانونية المتلاحقة في نزاع الصحراء الغربية ، وإنتهاء برشق موكب الملك المغربي محمد السادس بزجاجة حارقة كسرت بدون شك حاجز الخوف عند الشعب المغربي .
فرنسا الراعية للمغرب الذي يخدم مصالحها وسياساتها في منطقة الساحل والصحراء ، تسعى بدورها الى الحفاظ على ما تبقى من نفوذها وإرثها الإستعماري بعد النكسة المدوية التي تعرضت لها في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر ، ولذلك أصبحت تخاف على المغرب في ظل هذا التطور الذي تفاقم بدخول إسرائيل على الخط ، ففرنسا تعتبر المغرب حديقتها الخلفية في المنطقة ، وتعمد بشتى الطرق الى تحقيق شئ من الأمن الإستقرار فيه وحوله ، ومن هنا قد يكمن ضلوعها في المقترح المذكور إن لم تكن هي من خططت له ورمت به الى ديمستورا ليعلنه .
قد يقول البعض أن هذا كله ليس مبررا لجعل النظام المغربي يقبل ضمنيا وبطريقة غير مباشرة بخطة التقسيم التي طرحها ديمستورا ، ولكن ما سبق وأن قبل به نظام المخزن غداة توقيعه إتفاقية مدريد المشؤومة في 14 نوفمبر 1975 بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا يشكل حجة عليه ، وفي هذا الصدد من الطبيعي أن يبدي النظام المغربي في بداية الأمر رفضه العلني لهذه الخطة ، بينما يبقى قبوله في الواقع رهن إشارة فرنسا ، التي ستبذل دون شك كل جهدها في هذا الإتجاه خاصة إذا ما لمست مرونة من لدن البوليساريو وداعميها في التعاطي مع هذا المقترح .
الشئ المؤكد والحالة هذه ، أن جبهة البوليساريو لن تقبل بأي حال من الأحوال بالمساومة على حق الشعب الصحراوي الثابت في تقرير المصير ، الذي تقره مواثيق وقرارات الشرعية الدولية ، وكيف لها أن تقبل بعد مسيرة طويلة من تشريد الصحراويين في اللجوء ، والتنكيل بهم وإختطافهم والحكم عليهم بأحكام جائرة والزج بهم في السجون المغربية في المدن المحتلة من الصحراء الغربية وفي الداخل المغربي ؟ وكيف للشعب الصحراوي أن يقبل بعد تحقيق الكثير من المكاسب العملاقة والإنتصارات الباهرة وبعد حرب ضروس إستمرت 16 سنة قدم فيها العديد من الشهداء البررة وخلفت في أوساطه الكثير من الأرامل والثكالى واليتامى ومازالت تحصد الأرواح حتى في صفوف المدنيين العزل في المناطق المحررة بعد عودتها في 13 نوفمبر 2020.
كيف أيضا لأنصار القضية الصحراوية العادلة وأصدقاء الشعب الصحراوي المناضل وكل محبي العدل والسلام في العالم ، أن يستسيغوا هذا المقترح الظالم الخارج عن نطاق قرارات ومواثيق الشرعية الدولية وعن الخطة التي أقرتها الأمم المتحدة لتسوية النزاع في الصحراء الغربية المتمثلة في تنظيم إستفتاء حر عادل ونزيه يعبر من خلاله الشعب الصحراوي عن إرادته في الإستقلال أو الإنضمام الى المغرب ؟
على أي السياسة بحر متقلب ويحتاج الى معرفة واسعة ومهارة في السباحة ، ولهذا ليس فيها شئ ثابت ، خاصة في ظل تغول المصالح وهيمنة النفوذ على العدالة وأسس الشرعية الدولية ، وبالتالي على أولئك المتشائمين والإنتهازيين والعملاء الذين يعتبرون الإحتلال المغربي حجرة كأداء لا تمكن إزاحتها، أن يعلموا أن الواقع بكل معطياته يؤشر الى قرب زوال النظام الملكي في المغرب ، وأن السياسة رمال متحركة لا تستقر على حال ، لا سيما في ظل المتغيرات والتكتلات التي يشهدها العالم اليوم ، وبالتالي فقراءة الأحداث السياسية يجب أن تخضع لرؤية ثاقبة ودقيقة للواقع بكل أبعاده وتداعياته ، وألا يتم حصر النظر في نطاق ضيق تتحكم فيه بعض المسلمات الواهية والمعطيات غير الثابتة التي تتغير من حين لآخر بفعل فاعل .
بقلم : محمد حسنة الطالب