مقالات

قرار محكمة العدل الأوروبية: لكمة قوية للمغرب وإنتصار باهر للبوليساريو.

من عادة أي مستعمر وأي محتل لأرض لا يملك السيادة عليها ، اللجوء إلى الأكاذيب والمغالطات لتبرير كل ما قد يقدم عليه من ظلم سافر لأهل تلك الأرض ونهب غير مشروع لثرواتها .

على هذا النحو كانت الصحراء الغربية وشعبها ضحية للإستعمار الإسباني منذ العام 1884, وللإحتلال المغربي من بعده في 31 أكتوبر 1975 , هذا الأخير وقبل هذا التاريخ كان قد قفز على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، والذي نفي وجود أي رواط سيادة للمغرب والمجموعة الموريتانية على الصحراء الغربية ، مع العلم أن هذه الأخيرة مصنفة منذ العام 1963 لدى اللجنة الرابعة للأمم المتحدة كقضية تصفية إستعمار، وبالتالي كان الغزو المغربي لها تجاوزا وإستهتارا بكل مواثيق وقرارات الشرعية الدولية الصادرة بشأنها .

لقد تمادى الإحتلال المغربي منذ ذلك الزمن في تزوير الحقائق التاريخية والقانونية لإقليم الصحراء الغربية وبالغ في العام 2019 في سياسته الظالمة حين أبرم إتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي تتعلق بالتجارة والصيد البحري التي منشأوها الصحراء الغربية ، وهو ما مهد لمعركة سياسية وقانونية جديدة خاضتها جبهة البوليساريو بكل ثقة وعزيمة من أجل صيانة حقوق الشعب الصحراوي وفرض سيادته على بلاده وعلى ثرواتها الطبيعية، رغم سياسة شراء الذمم والمواقف التي إنتهجها النظام المغربي ، والضغوط والمناورات التي لجأت إليها بعض الدوائر الأوروبية خدمة لمصالحها الإقتصادية ومحاباة للمغرب بمحاولاتها شرعنة إحتلاله للصحراء الغربية .

في وجه هذا التحدي عمدت جبهة البوليساريو الى رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الأوروبية بغية قطع الطريق أمام كل المحاولات الرامية الى تجريدها من حقها في تمثيل الشعب الصحراوي ، ومن أحقيتها في الدفاع عن سيادته على أرضه وثرواته ، لكن جبهة البوليساريو ورغم مناورات الأعداء وتكالباتهم ، إستطاعت أن تنتزع أول قرار لصالحها من محكمة العدل الأوروبية ، وهو ما لم يرق للمفوضية الأوروبية وللطرف المغربي ، الذين قدما طعونا على ذلك القرار ما أدى الى إعادة النظر فيه ، وبالتالي إتاحة مزيد من الوقت لسريان ذلك الإتفاق المشبوه المبرم سابقا بين المغرب والإتحاد الأوروبي والذي تجاهل عن قصد راي الشعب الصحراوي في كيفية الإستفادة من عائدات خيرات بلاده .

في 4 أكتوبر الجاري سطع الحق جليا بصورة حاسمة هذه المرة من محكمة العدل الأوروبية ، وزهق الباطل الذي كان يدوي على مستوى المفوضية الأوروبية وأعضاء من البرلمان الأوروبي ، حيث صدر قرار محكمة العدل الأوروبية في صورته النهائية ما شكل صدمة قوية للإحتلال المغربي وداعميه ولأبواقه الناعقة زورا وبهتانا بما لم ينزل به الله من سلطان لها في بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب ، فإنقلب السحر على الساحر بهذا القرار المهم وما ترتب وسيترتب عنه في المستقبل من معطيات إيجابية على القضية الصحراوية نوردها كالتالي :

أولا : الحقائق التي ترتبت عن هذا القرار بعد صدوره تكمن في :

1- أن المغرب ليست له سيادة على الصحراء الغربية ، وبالتالي لا يمكنه إبرام أي اتفاقيات تتعلق بثروات هذا الإقليم ، وهذا دليل واضح على أن المغرب والصحراء الغربية إقليمان منفصلان ومتميزان .

2- أن الشعب الصحراوي وحده هو صاحب الأرض وهو من يقرر مصيرها ، وبالتالي لم يعد هناك من بإستطاعته القفز على إرادته وحقه المشروع في الحرية والاستقلال .

3- هذا القرار قضى على أحلام الإحتلال الرامية الى إعتراف المزيد من دول العالم بسيادته المزعومة على الصحراء الغربية ، وهو ما يجعل الدول الأوروبية خاصة في حالة حرج بسبب ما دفعتهم إليه المفوضية الأوروبية من خلال جنوحها الى المصالح على حساب القانون الدولي وحق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال .

4- هذا القرار فضح إنحياز كل من إسبانيا وفرنسا لمبادرة الإحتلال المغربي المتمثلة في مقترح الحكم الذاتي ، الذي يعد حكما قسريا من جانب واحد على إرادة الشعب الصحراوي ولا صله له إطلاقا بمعاني ومغازي الديمقراطية التي يجسدها بالفعل مخطط السلام الأممي المتمثل في الإستفتاء الذي جاءت من أجل تطبيقه بعثة المينورصو التي ما زالت الى حد الساعة موجودة بإقليم الصحراء الغربية.

5- القرار قطع الشك باليقين بالنسبة لكل من كان يمسك العصا من الوسط ، ولأولئك الذين إستمالهم النظام المغربي بالكذب والمغالطات وبشراء الذمم والمواقف ، والآن إتضحت الحقيقة ولم تعد هناك منطقة وسطى بين الحق والباطل .

ثانيا : التداعيات التي ستترتب عن هذا القرار مستقبلا :

1- – بدون شك ستكون لهذا القرار آثار على التقرير الذي سيقدمه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية السيد دي مستورا في هذا الشهر إلى مجلس الأمن الدولي ، وهو ما قد يحمل هذا الأخير مسؤولية كبيرة بخصوص تطبيق قرارات ومواثيق الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الصحراوية.

2- هذا القرار سيعزز دون شك دور المتضامنين مع القضية الصحراوية لا سيما في البرلمان الأوربي وعلى الساحة الأوروبية عموما .

3- بموجب هذا القرار أيضا قد تتم ملاحقة كل الذين حاولوا تضليل العدالة مقابل أموال وإمتيازات حصلوا عليها من طرف الإحتلال المغربي .

4- هذا القرار سيشكل أيضا عامل ردع في المستقبل لكل من تخول له نفسه التحايل على حق الشعب الصحراوي في السيادة على أرضه والتحكم في مواردها الطبيعية .

بناء على كل ما سبق ذكره من دلائل تاريخية ومعطيات واقعية تزكيها وتدعمها قرارات الشرعية الدولية، يكون الشعب الصحراوي بموجب هذا الحكم النهائي لمحكمة العدل الأوروبية ، قد كسب معركة قانونية كبيرة وحقق إنتصارا باهرا ، سيقضي لا محالة على أحلام الإحتلال المغربي وعلى أكاذيبه ومغالطاته الزائفة الرامية الى تمييع الوضعية القانونية للصحراء الغربية وسبل تسويتها التي حددتها الأمم المتحدة في تنظيم إستفتاء حر عادل ونزيه يكفل للشعب الصحراوي حقه المشروع في تقرير المصير والاستقلال .

بقلم : محمد حسنة الطالب. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق