جاليتنا بالخارج: بين مقتضيات القضية ومتطلبات الحياة
الدد محمد محمدنا
تشكل الجالية الصحراوية بالخارج نسبة متنامية بفعل الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الصحراويون، وتتواجد بنسبة أكبر في أوروبا وبعض البلدان الافريقية وبنسبة ضئيلة في الخليج العربي وأمريكا اللاتينية. ولعل المقام هنا يقتضي القراءة المدققة والمتأنية حينا، ولذلك عنّ لنا أن نختص بمنطقة جغرافية بعينها من باب اسقاط الجزء الغالب على الكل. ولذلك سنحاول إلقاء بعض الضوء على الظروف التي تعيشها الجالية الصحراوية بإسبانيا، ومرد ذلك إلى أهمية الموضوع وإلحاحه من جهة، وإلى محاولة البحث عن آليات وأساليب جديّة لتمتين الحضور الوطني بالخارج ومحاولة ايجاد حلول للمشاكل التي تعيشها الجالية من جهة أخرى.
تعد أوربا في المرحلة الراهنة هاجسا مستمرا وبؤرة أحلام الذين ضاقت بهم السبل وربما جنحت بهم التخيلات إلى اعتبارها فردوسا مفقودا لابد من بلوغه وبأي ثمن . فإسبانيا هي البلد الأوربي الأول ـ قبل فرنسا ـ الذي بلغ عدد المهاجرين فيه ثلث عدد السكان، وتتوزع البنية الديموغرافية للمهاجرين في كافة المقاطعات الاسبانية وبشكل أكثر في المقاطعات الاقتصادية الكبرى، ويشكل المهاجرون من أصول مغربية المرتبة الأولى من حيث الكثافة، ثم يأتي المهاجرون من أصول أمريكية لاتينية، خاصة من الآكوادور والبيرو وكولومبيا والارجنتين في المرتبة الثانية، ثم المهاجرين القادمين من أوربا الشرقية، وأعني رومانيا تحديدا، ودول افريقيا جنوب الصحراء، ثم تتضاءل نسبة تواجد المهاجريين الغربيين وذوي الأصول الأسيوية والمهاجرين من المشرق العربي.
ولعلني أوردت هذه المعلومات لألح على فكرة أراها جديرة بالاهتمام، وهي العلل والوسائل التي ساهمت في تواجد المهاجرين في هذا البلد على تباينها، وربما تباينت الغايات والمآلات أيضا. بمعنى أن الكثافة العالية التي نجدها للمهاجرين من أصول مغاربية مردها في الغالب إلى أمر واحد وهو الهرب من سلطان الفقر والبطالة والتهميش للبحث عن لقمة عيش ولو بأبخس الأثمان، وقس على ذلك. بينما نجد المهاجرين من الأقليات العرقية ـ اللاتينية والرومانية ـ لجأت للهجرة بهدف الابتعاد عن الخسف والعنف الاجتماعي الذي تتعرض له. بينما هناك جاليات ومنها الجالية الصحراوية تواجدت وبشكل قليل بسبب احتلال الأرض والابعاد القسري والمنفى للبحث عن فضاءات واسعة لدعم القضية واعطائها دينامية مستمرة. على أننا نلفت انتباه القارىء الكريم إلى أن هذه الجاليات على تعددها تحرت منافذ متفرقة لإدماج ذاتها في المجتمع الاسباني، فأسست الجمعيات الحقوقية والثقافية، مستغلة في ذلك مرونة القوانين والمناخ الديمقراطي والاقتصادي لهذا المجتمع.
في هذا الخضم المعقد تتواجد جالية صحراوية معتبرة تتوزع في نقاط متفرقة من اسبانيا، حيث تتفاوت نسبة التواجد من منطقة الى أخرى. ويغذي هذا التواجد المعطيات التاريخية والثقافية التي تربط بين الصحراء الغربية واسبانيا من جهة، والحركة التضامنية الشعبية الواسعة في الأوساط الاسبانية التي تعد عاملا أساسيا في تمتين هذه الروابط وتدعيمها من جهة أخرى. وتنتظم الجالية الصحراوية حسب المناطق الأدارية للممثليات الصحراوية المتوزعة في أغلب المقاطعات والمدن الاسبانية. وتشارك هذه الجالية وبقوة في التظاهرات الخاصة بالقضية الوطنية من مظاهرات تضامنية ومعارض وملتقيات سياسية وثقافية الى غير ذلك. ولا أدل على ذلك من التظاهرات الموسمية التي تقوم بها الممثليات وجمعيات التضامن مع الشعب الصحراوي في كبريات المدن الاسبانية بشكل منظم حيث تتوافد الجالية الصحراوية من كافة المناطق للمشاركة وإظهار الدعم الذي تقدمه للقضية الوطنية، هذا بالاضافة إلى وجود شبكة لتبادل المعلومات والاعلانات الخاصة بالقضية مما يوفر مرونة التواصل والحضور لكافة المواعيد الوطنية، زد على ذلك المبادرات الفردية التي تنظم من حين لآخر خاصة في المدن والقرى النائية التي تحتاج إلى التواصل المباشر مع القضية، دون أن ننسى الجهود الجبارة التي تتكثف مع حضور الأطفال الصحراويين في العطل الصيفية والتي تعد وبحق وسيلة التواصل المباشرة بين الشعب الاسباني والجالية الصحراوية بهذا البلد.
وتشكل القضية الوطنية هاجسا مستمرا لدى الصحراويين المغتربين في إسبانيا، فلا تكاد تخلو الجلسات من النقاشات المستمرة حول راهن القضية والأوضاع السائدة في المناطق المحتلة والموضع الذي تحتله القضية في الزخم العالمي للأحداث، الشيء الذي يعطي انطباعا محكما لأهمية المشروع الوطني وأولويته والحرص على تغليبه على المشاغل اليومية المتهاطلة. كما أنها تعتبر فعلا يوميا وضرورة من ضرورات الحياة المضنية التي يعيشها الصحراويون بالخارج، فهي وسيلة الارتباط الأساسية بينهم، وهي التي تمنحهم القوة والتكاثف في مجتمع يتقوقع فية المهاجرون في تجمعات متنفذة يحسب لها ألف حساب.
إن هاجس التنظيم والتأطير في وعاء الجمعيات هو الشغل الشاغل للجالية الصحراوية، وهو أيضا المطمح الذي تتوق إليه، على اعتبار أن التجارب المختلفة والناجحة أثبتت صحة هذا المنهج ونجاعته بالرغم من المحاولات الجادة التي قامت بها وزارة المدن المحتلة والجاليات من خلال مركزية الجالية الصحراوية بأوروبا وفي مناسبات متعددة، إلا أن الحال يقتضي إيجاد آليات محكمة وملموسة قد يكون لها الفضل في تقوية الحضور الصحراوي بالخارج واستثمار التعاطف الشعبي الاسباني بشكل أكثر للتأثير على قرارات قد لا تخدمنا من جهة، وتقوية الروابط بين الجالية وتفعيل دورها واستثماره، من جهة أخرى. ولعل هذا المطلب شديد الالحاح لما له من دور في حلحلة جل المشاكل والمشاغل التي تعايشها الجالية، والتي تتعدى إلى جملة من المشاكل الحادة والمتراكمة متمثلة بالأساس في غياب الإدارة في بعض المناطق وانعدام استراتيجية واضحة في دعم تواجد الجالية واستقرارها، بالاضافة إلى الابتعاد النسبي وضعف التواصل بين الممثليات والجالية إلا في مناسبات بعينها…
هذا غيض من فيض للمشاكل والعراقيل التي تؤثر على حياة الجالية الصحراوية في المهجر، لكنها تبدو بصورة اللاموجود حينما يتعلق الأمر بالمناسبات والمواعيد المتعلقة بالقضية الصحراوية. على أنه لا بد والحال هذه على السلطات المعنية من الالتفات وبشكل جدي إلى جالياتنا بالخارج والاقتراب أكثر من همومها ومطالبها وانشغالاتها، وتفعيل وتقوية ـ وهو مربط الفرس ـ الغطار المنظم للجالية والذي يدير شؤونها بشكل يتيح لها المساهمة في نشر القضية واستثمار حضورها بصورة دائمة في أماكن تواجدها ولما لا التغلب على معوقات الحياة اليومية التي تعايشها.