أكثر من مجرد ارتباط وجداني…
البشير محمد لحسن
قد تكون الجالية الصحراوية بعموم أوروبا هي الأحدث إلتحاقاً بالقارة من بين نظيراتها، وقد تكون الجالية المغربية أيضاً هي الأقدم في أوروبا وإسبانيا تحديداً التي يبلغ عدد المغاربة بها زهاء ال 800 ألف نسمة، وهو رقم كبير جداً، لكنه يبقى متواضعاً أمام عدد المهاجرين المغاربة في دول كفرنسا، هولندا أو بلجيكا. ورغم قِلّة عددها، غير أن الجالية الصحراوية بأوروبا تكاد تكون الأكثر تنظيماً بين جميع نظيراتها، والأكثر إرتباطاً بوطنها وقضيتها. ولعل ذلك راجع إلى الوضعية الخاصة التي يعيشها الشعب الذي تنحدر منه، فهو لا زال ينتظر الإستقلال منذ أزيد من 130 سنة، تنوعت بين إحتلال إسباني لزهاء تسعين سنة ثم مغربي موريتاني لينتهي الأمر بالمغرب وحده محتلاً في أرضنا.
الخيط الذي يربط الجالية الصحراوية بوطنها، شعبها وقضيتها يتجاوز الجانب الإداري، كما هو الحال بالنسبة للجاليات الأخرى، حيث يقتصر الوطن على تجديد الوثائق أو زيارات سنوية تتم تأديتها على عجل. لكن الجالية الصحراوية بأوروبا، ورغم انشغالاتها كغيرها تماماً، نجحت في نقل قضيتها ومعاناةِ شعبها إلى كل مكان استطاعت الولوج إليه، فما من صحراوي في مكان عمل إلّا ويعرف زملاؤه جيداً القليل أو الكثير عن طبيعة النزاع وتضحيات شعبه سواءً باللجوء أو بالمناطق المحتلة، والسبب راجع بالدرجة الأولى إلى شعور أفراد الجالية بأن التعريف بالقضية هو مسؤولية شخصية وفرض عين على كل صحراوي تأديته بما إستطاع من وسائل وطرق. بل أن بعض أفراد الجالية نجح في جلب بعض زملاء العمل أو الأصدقاء الأوروبيين لزيارة المخيمات أو المناطق المحتلة للوقوف على صمود الشعب هناك وتضحياته أمام المحتل.
أما على الصعيد الجماعي، فإن الجالية الصحراوية في أوروبا قد انخرطت في مسار العمل الجمعوي الذي يُعد ثقافة راسخة في أوروبا، فقامت بإنشاء الجمعيات على مستوى المدن والمحافظات، ولم تساهم تلك الجمعيات فقط في حلِّ بعض مشاكل الجالية كتعليم الأبناء اللغة العربية مثلاً أو كونها جسر إداري إعداد بعض الوثائق، بل أن دورها يتعدى ذلك إلى استحضار الوطن وقضيته وتخليد الذكريات الوطنية وتربية الجيل الذي نشأ بالغربة على حب الوطن والذود عنه، فلا تكاد تمرّ مناسبة وطنية إلّا وتجد جمعيات الجالية الصحراوية بأوروبا تتسابق على تخليد الحدث ومنحه أكبر تغطية ممكنة والحرص على حضور الأجانب وتعريفهم بقضية شعبنا وما 10 ماي و20 ماي ببعيدتين عنّا.
أحد الأهداف الإستراتيجية التي تعمل جمعيات الجالية الصحراوية بأوروبا على تحقيقه، بشكل فردي وجماعي، هو ترسيخ ثقافة الدفاع المدني والحضاري عن الأفكار في إطار الحرية والوسائل التي يتيحها الغرب لكل السكان والمقيمين، فمع مرور الوقت ستترسخ لدى الأجيال الصحراوية التي تكبر هنا ضرورة مواصلة المشوار الذي بأه آباؤهم، وهو ما يعني أننا نُربّي جيلاً صحراوياً للدفاع عن قضيته بأساليب الغرب الحضارية والأكثر نجاعة وكفاءة.
قد لا تخلو الطريق من مصاعب، وقد تكون الصورة ليست بالوردية التي نتمنى، فلا زالت هناك الكثير من المعوقات التي تجعل الجالية الصحراوية دون مستوى تطلعات شعبها، وهي كثيرة ومتشعبة، لكن عندما ننظر إلى الوراء سندرك أننا نسير في الطريق الصحيح، وأننا نتعلم من الأخطاء، فإذا كان المغاربة قد هاجروا إلى أوروبا إنطلاقاً من المدن والتجمعات الحضرية، فإننا كصحراويين إما جئنا من مخيمات اللاجئين أو المناطق المحتلة التي تنعدم فيها أدنى الحريات ناهيك عن العمل الجمعوي. وتلك صعوبة تُضاف إلى كثير من المعوقات، فشعبنا بدوي بطبعه، بسبب سياسات المستعمرين، وحديث العهد بالجمعيات والهجرة عموماً، لكن رغم ذلك استطعنا اللحاق بباقي الجاليات ولم تنكتفِ فقط بجمعيات الجالية، بل تعدّيناها للجمعيات التخصصية، كالمحامين والأطباء والصحفيين وغيرها وهي جمعيات تُسطّر برامجها السنوية لخدمة القضية الوطنية. كل ذلك يُضاف إليه الأفراد المتميزون في كل القطاعات الذين يخدمون قضيتهم بطرقهم الخاصة.
أوليس كل ذلك أكثر من مجرد إرتباط وجداني؟