الشعب الصحراوي : طبائع السر في تهذيبها اللغة والدين
إن الشعب الصحراوي بطبعه وطبيعته هو سليل عروبة منذ النشأة ، إسلامي الديانة في الأساس ، هاجر من شبه الجزيرة العربية إبان الفتوحات الإسلامية ينشد السلام والوئام حيثما حل، متسلحا بثقافة سيمتها التسامح والتآخي بين بني البشر .
لقد أراد القدر أن يستقر أبناء حسان بنو النعمان في أرض تداخلت تقاسمهم في ثنايا طبيعتها، فشكلت تاريخا شاخصا بذاته لثقافة عربية إسلامية متميزة ، وحققت بذلك مجدا تليدا لأمة تأبى الذوبان في غياهب الجهل والضلال .
إن بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وبفضل هذا الشعب المسالم عرفت طيبا وإحسانا تجاه كل من هب ودب وفي غرارة نفسه صفاء وصدقا لا نية خبيثة وراءهما ، لهذا كان أهل الخير يجوبون هذه البلاد طولا وعرضا دون أذا يذكر ، وظل هذا الشعب مثلما يصون أرضه وعرضه، يكرم ضيوفه ، ويهب لنصرة الحق ، ويقف إلى جانب المظلوم ، وكل من يدخل في حرمته هربا من الجور و البطش السافر ، إلى جانب عطفه على الضعفاء وإبدائه الاحترام تجاه كل من يشاطره التقدير والعرفان من جيرانه وإخوته في العروبة والإسلام .
ولأن كانت هذه المميزات أوهذه الطبائع كلها هي من المبادئ السامية التي جاء بها الإسلام بلغة عربية فصيحة ، فأن الصحراويين ما تساهلوا قيد أنملة في عقيدتهم ولا في لسانهم المبين ، هذه الثنائية التي تلازمت وظلت تنير طريقهم في هذا الوجود رغم لوافح الزمن وجوارفه .
يتكلم الشعب الصحراوي برمته اللغة العربية بطلاقة وفصاحة ، إذ تشكل ما نسبته ثمانين في المائة تقريبا من لهجته الحسا نية ، تلك اللكنة التي تشكل بدورها تميزا ونكهة خاصة لعذوبة الكلام عند أهل الصحراء ،والتي تزداد عراقة وجمالا كلما نفض الغبار عن قديم مفرداتها التي تنساب وكأنها عسل وماء ، يتمتع المتكلم بسكبه ويتلذذ المستمع بتذوقه ، خصوصا إذا ما تخللت حديثهما الأمثال والحكم وصاغها الشعر نوتة موسيقية تتهادى على إيقاعها الشمائل والفضائل .
إن اللهجة الحسا نية التي هي لغة عربية أصيلة بلكنة المجتمع البيظاني المتميز، أي ذاك الممتد من بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى بلاد شنقيط وبعض المناطق المجاورة لهما ، توحي بإحساس مرهف ، يسري في الذاكرة والوجدان ، ويمسك بتلابيب الضمير الحي لكل من قد يخالط أيا من هذه الطينة الشماء ، وخصوصا من الصحراويين ، فلا شك بأنه سيلاقي معاملة راقية تحمل في ثناياها كل عبارات المجاملة والمودة ، واصدق التقدير والعرفان . أما أهل السؤ فأولئك لا يمكن أن يطيب لهم مقام بين أناس تزكيهم رائحة البخور والقرنفل الفواح ، فمن لايعرف الطيب عندهم ، ترك جانبا ، لأن من يجني على نفسه بالخبث وسؤ التصرف ، يكون قد خسر مكانته عند أهل الصحراء بقولهم ” أخيار كلامك يا أمة كعدي أعليه” بمعنى أن الكلام التافه والسلوك الفاضح لا مجال لهما بينهم ، ويجب أن يبقيا طي الكتمان مهما كانت سلبية المواقف وفظاعتها ، ولا أدل على ذلك من قولهم أيضا :|” يبرى الجرح ما برات كلمة العار” و” الخاسر أتفو بيه قولا وفعلا ” ، وهذا ماجعل انتقاء المفردات أو العبارات العذبة من اللغة أو اللهجة هو أهم شئ في الحديث ، فان تهذب لغتك وتتقن أسلوبك في المعاملة ، يعني انك ستكسب ودا و طيبا ، والأكثر من ذلك ستكسب جمهورا من الأصدقاء والخلان والمعارف عموما من هذا الشعب في أي موضع تقيمه أو ترتاده . وهنا نتكلم عن كل إنسان سوي لا تبرح المكارم جوارحه ، وهذه من شيم الصحراويين وطبائعهم في الحديث والمعاملة.
وبالنظر إلى الدين ، فان الشعب الصحراوي يمارس الشعائر الإسلامية بكل تجلياتها طبقا لما جاء في القران الكريم ، ووفقا لما ألحت عليه السنة النبوية الشريفة .
فكل صحراوي يشهد ان لا اله إلا الله وحده لاشريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وكلهم يؤدون الصلاة ،ويؤتون الزكاة ، يصومون رمضان ويحجون بيت الله الحرام متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا ،وأي مسلم يقوم بهذه الشعائر، فلاشك بأنه على بينة من تعاليم هذا الدين العظيم ، الذي انزل دستورا لتنظيم العلاقات ،وتقوية الروابط بين العباد وخالقهم ، وبين الناس أنفسهم، والصحراويون بحرصهم على مرضاة الله ، عملوا بدينه ، واقتفوا سنة رسوله لتكتمل مكارم الأخلاق لديهم ، وتشيع طبائعهم غلاظا في مختلف المعاملات الدنيوية ، ولتبقى شاهدا عليهم في الزوال والبقاء بقول الشاعر :
إنما الأمم الأخلاق مابقيت
فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
لقد كان الإنسان الصحراوي ومازال خير خلف لخير سلف ، مادام متشبثا بلغته ودينه ، هذه الثنائية التي تنضح سلسبيلا من الطبائع الفضيلة التي تصب في مرضاة الخالق عز وجل ، وكسب ود عباده وثنائهم مادام الخير بالخير والبادئ أكرم ، وأكرم الناس عند الله اتقاهم .
بقلم : محمد حسنة الطالب