جمال الخير …
بينما كنت أقضي العيد مع والدتي تذكرت جمال، جمال الذي غادر دنيانا شهيدا في سبيل الناس والوطن.
لا أعرف لماذا تذكرته، ربما لأنني حلمت دائما أن يكون بيننا آلاف الرجال مثل جمال، جمال الظاهرة الذي عرفته أياما قبل أن ألتقط له هذه الصورة الأخيرة بمسجد ابي بكر الصديق بولاية العيون.
تذكرت جمال فتذكرت البساطة والتواضع، عادت الى ذهني صور الشاب الحيوي الذي يركض بين أزقة دوائر مخيماتنا بحثا عن أي إنسان يحتاج إلى مساعدة ليمد له يد العون.
هو الشاب الذي لم يبلغ بعد سنه الثلاثين، لم يغريه جنون الحياة وهو اليافع، لا يعرف شيئا عن صخب التكنولوجيا لقد إختار أن يتبع صخب الواقع، آلمه واقع الناس وجنوح الشباب المراهق فراح يبحث في كيفية تقديم يد المساعدة للضعفاء وزرع تعاليم الإسلام في قلوب الشباب.
تذكرت جمال فعادت الى ذهني صورة الشاب البشوش، تذكرت يوم إلتقيته صدفة فطلب إلي أن ننجز معا عملا صدقة لوجه الله، عرض علي أن يقدم نصائح في كيفية غسل الميت وبعض الاذكار، أراد أن يعلم الناس علوم الدين.
تذكرت جمال فعادت بي الذكريات يوم مررت بجانبه وهو يهم وحده الى دفع سيارة شيخ طاعن في السن ويقول “اضرب اضرب”، نادى علي: دير ايدك يا عبداتي، فدفعنا معا السيارة التي لم يستطع محركها ان يشتغل، لم ينتهي الأمر عند جمال ولم يترك الشيخ بل طلب مني أن انتظره حتى يعود ببعض الشباب فركض نحو المسجد ونادى على بعض المصلين فهممنا جميعا بدفع السيارة التي إشتغل محركها اخيرا، ضحك الشاب البشوش وهو يقول: لا إعطل الرجالة هذا الأجر والخير، إذا إلتقيت جمال وعرفته فلن يمنعك من فعل الخير رفقته أي سبب.
تذكرت جمال، فعادت الى ذهني صورة الشاب الشهم يوم إلتقيته بأحد المحلات في حر الصيف يشتري للأطفال حلوى “إلاظوا” يوزعه بسخاء وهو يضحك ويداعب البراءة كأنه ملاك.
عندما أتذكر جمال، أتذكر المؤذن الذي لا يوقظني إلا صوته وهو يؤذن داعيا المسلمين الى صلاة الفجر، أحيانا كنت أذهب لأصلي معه فأبدا يومي نشطا بعد رؤية وجهه البريء وأحيانا كثيرة أخرى كنت “نرزح” لكن جمال لم “يرزح” ولم يكل ولم يمل، الشيطان الوسواس لايمكنه ان يجد طريقا إليه.
للأسف جاءت نهاية هذا الملاك سريعا يوم علمت بإستشهداه بميادين الشرف، لقد حزنت كثيرا.
انا اعلم ان جمال إستثناء، نعم نعم هو إستثناء وامثاله كثر لكننا لن نعلم عنهم لذلك كل واحد منهم هو إستثناء في حد ذاته.
بكل تأكيد انا لست واحدا منهم ابدا، لست إستثناءا لكنني ادعوكم أن تتذكروا جمال عندما ترون نماذج من أمثاله، تذكروه كي نحيي جميعا في أنفسنا فلسفة فعل الخير ربما نصبح إستثاء مثل جمال، تذكروه كي تعلموا ان الدنيا فانية، تذكروه وانتم تبحثون عن السعادة تذكروا جمال فقط وسوف تقومون بفعل الخير وصدقوني ذلك هو الطريق الاقرب للحصول على السعادة هو الطريق الوحيد لربح الدنيا والآخرة.
رحم الله جمال وامثال جمال .
بقلم : عبداتي الرشيد