
كتاب وآراء
هل دخلت الرباط مرحلة القلق الدبلوماسي؟
بعد الضجة الكبيرة التي رافقت جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن الصحراء الغربية، وما احتفته به وسائل الإعلام الرسمية المغربية باعتباره “انتصارًا دبلوماسيًا”، بدأت تتكشف في الداخل تساؤلات حول حقيقة ما جرى، ومدى صحة الخطاب الذي تم تسويقه للرأي العام. فقد بدا الهامش الاحتفالي أشبه بمحاولة لصناعة إنجاز سياسي أكثر منه تعبيرًا عن تحول جوهري في مسار الملف.
التصريح الأخير لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة لوكالة الأنباء الإسبانية EFE يوم الرابع ديسمبر الجاري، كان كافيًا لإثارة الجدل من جديد، إذ أكد بشكل مباشر أن المغرب “لن يقبل بأي آلية دولية لمراقبة الحكم الذاتي”، وهو ما يتناقض مع التوجه الذي كان مجلس الأمن يحث عليه الرباط منذ سنة 2007. هذا الرفض يثير أسئلة حول مدى ثقة المغرب في مقترح الحكم الذاتي الذي يقدّمه باعتباره الحل الواقعي الوحيد، ولماذا يعارض إخضاعه لإشراف دولي إذا كان مقتنعًا بقدراته على إنجاحه على الأرض.
ويبدو أن الرباط تدرك أن أي آلية رقابية أممية قد تفتح الباب أمام مسار سياسي مختلف، ربما يعيد رسم معالم القضية كما حدث في تجارب دولية عديدة انتهت بالاستقلال، مثل تيمور الشرقية وجنوب السودان وإريتريا وناورو وجزر القمر وجزر مرشال وغيرها. لهذا تسعى الدبلوماسية المغربية – بحسب مراقبين- إلى الحفاظ على الوضع القائم لأطول فترة ممكنة، وهو ما ينسجم مع الموقف الفرنسي-الأمريكي التقليدي الداعم لإدارة النزاع بدل حله.
في المقابل، يشير قرار مجلس الأمن رقم 2797 بوضوح إلى “شعب الصحراء الغربية”، وهو مصطلح يستخدم في سياق قضايا تقرير المصير، وليس مجرد “سكان الإقليم” كما حاول سي بوريطة الإيحاء. هذا التمييز يتعزز أيضًا بقرار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، الذي جدّد التأكيد على الوضع القانوني للصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، مع مسؤولية مباشرة للأمم المتحدة تجاه الشعب الصحراوي.
أما حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر في الرابع أكتوبر 2024، فقد شدّد في الفقرة 128 على أن حق تقرير المصير يعود إلى الشعب الصحراوي حصريًا، لا إلى مجموع سكان الإقليم، الذين لا تتجاوز نسبة المنتمين أصلًا إلى الصحراء الغربية منهم سوى 25 في المئة كما أكدت المحكمة.
في ضوء هذه المعطيات، يتساءل متابعون في المغرب قبل غيره: إذا كان مقترح الحكم الذاتي يشكل بالفعل حلاً جديًا وواقعيًا كما تقول الرباط، فلماذا يرفض وزير الخارجية إخضاعه لرقابة دولية محايدة؟ خصوصًا أن جبهة البوليساريو أكدت استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة تشمل جميع المقترحات، بما فيها الحكم الذاتي، بشرط أن يكون ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة.
يظهر أن جوهر الخلاف لا يزال متعلقًا بمسألة السيادة، وهي النقطة التي لم تُحسم منذ 1975. فقبل الاتفاق على طبيعة الحل، لا يبدو أن الرباط مستعدة لتقديم أي تنازل قد يُفهم على أنه خطوة نحو استفتاء أو مسار قد يقود إلى الاستقلال. هذا ما يفسّر سعي الدبلوماسية المغربية إلى الهروب من أي آلية رقابية قد تحدّ من قدرتها على التحكم في مسار التسوية.
وفي ظل تزايد الضغوط الدولية وتباين القراءات السياسية، يجد صانع القرار المغربي نفسه أمام معادلة معقدة: الحفاظ على روايته الداخلية من جهة، ومجاراة التحولات المتسارعة في المواقف الإقليمية والدولية من جهة أخرى. وهو ما يجعل ملف الصحراء الغربية يدخل مرحلة جديدة أكثر حساسية من أي وقت مضى. فهل دخلت الرباط مرحلة القلق الدبلوماسي؟
بقلم: محمد فاضل الهيط



