
قضية الصحــــــراء الغربية : بين الانحيــــــاز السياســـــــي ومقتضيات الشرعيــة الدوليــــــة
محمد فاضل كمال ممثل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بأستراليا
تشهد قضية الصحراء الغربية، بوصفها واحدة من أقدم قضايا تصفية الاستعمار في العالم ، تعقيدا مستمرا ناتجا عن تداخل المصالح الدولية، والانحراف المتكرر عن مبادئ الشرعية الدولية التي أرستها الأمم المتحدة منذ منتصف القرن العشرين. وفي هذا السياق، أثارت التصريحات الأخيرة لكتابة الدولة الأمريكية، ردود فعل إقليمية
ودولية قوية على خلفية ما اعتبر انحيازا أمريكيا واضحا للطروحات التوسعية المغربية وتجاهلا لمبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير .
تعد الصحراء الغربية، حسب تصنيف الأمم المتحدة، إقليماً غير متمتع بالحكم الذاتي، ما يجعلها خاضعة لمسار تصفية استعمار لم يستكمل بعد. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 1975، عدم وجود روابط سيادية قانونية بين المغرب والإقليم، ما يعزز وجوب تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير .
لا يزال الشعب الصحراوي ينتظر ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير ، كما نص على ذلك قرار الجمعية العامة رقم 1514 الصادر عام 1960 بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة. ويعد هذا الإطار القانوني أساسا لا يمكن تجاوزه أو اختزاله في حلول جزئية لا تحترم إرادة الشعب الصحراوي. إن أي تسوية حقيقية للنزاع لا بد أن تمر عبر استشارة هذا الشعب وتمكينه من اختيار مستقبله بحرية. تقرير المصير، في هذه الحالة، ليس خيارا سياسياً بقدر ما هو التزام قانوني يقع على عاتق المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأعضاء الدائمين
في مجلس الأمن الذين يفترض أن يكونوا حماة للشرعية الدولية، لا أطرافا في النزاع أو مؤيدين لحلول تكرس الاحتلال. إن انحياز الإدارة الأمريكية لاحتلال المغرب للصحراء الغربية يضعف موقع الولايات المتحدة كوسيط نزيه، ويقوض أي دور بناء قد تلعبه في دفع مسار التسوية نحو الأمام، بل قد يساهم في تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة.
تعود نقطة التحول في الموقف الأمريكي إلى 10 ديسمبر 2020، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية آنذاك اعترافها بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية، في صفقة سياسية مقابل تطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل. وقد مثل هذا الموقف خرقاً واضحاً للمواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، كونه تجاهل تماما وضع الإقليم كقضية تصفية استعمار وخالف إرادة المجتمع الدولي.
قرار الانحياز للمحتل المغربي أدخل الموقف الأمريكي في حالة من الغموض، أثرت سلبا على صورة واشنطن ومصالحها، ومن المؤسف وغير المنطقي أن يصدر تأكيد لهذا الموقف الآن من عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، يفترض به أن يكون حارسا للقانون الدولي وراعيا لتطبيق قرارات الأمم المتحدة.
اليوم ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تفتح نافذة جديدة أمام السياسة الأمريكية لإعادة ضبط الموقف، فقد يعتبر صناع القرار بواشنطن دعم استفتاء تقرير المصير الصحراوي فرصة لإعادة الاعتبار للدبلوماسية الأمريكية، خاصة في ظل تنافس دولي متصاعد على النفوذ في شمال إفريقيا والساحل.
تصحيح موقف الإدارة الأميركية من القضية الصحراوية، سيعيد تأكيد التزامها بالقيم الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير المصير ويمنحها مصداقية كوسيط نزيه ومحايد، يعلي من شأن القانون الدولي ويعزز صورتها على الساحة الدولية.
لم يعد للمغرب الكثير ليقدمه للولايات المتحدة في إطار سعيه لدعم الاعتراف باحتلاله للصحراء الغربية . فقد أتم تطبيعه مع إسرائيل ويواجه الآن أزمات متفاقمة اقتصاديا بسبب الجفاف وتزايد الديون سياسيا نتيجة الفراغ السياسي الذي سببه غياب واضح للملك عن الحياة العامة وتراجع فعالية المؤسسات، ودوليا، في ظل عزلة متنامية بعد الأحكام القضائية الدولية، لا سيما من محكمة العدل الأوروبية التي أكدت أن استغلال المغرب للموارد الطبيعية في الصحراء الغربية يتم دون موافقة الشعب الصحراوي، وهو ما يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
لقد تراجع وزن المغرب الاستراتيجي مما يضعف مكانته الدولية ويقلل من قدرته على ضمان استمرار الدعم الأمريكي. فواقع التطبيع والانهيار الاقتصادي والفراغ المؤسسي والعزلة الدولية المرتبطة باستمراره في احتلال أراض غير معترف بها دوليا، كلها عوامل تقلل من جاذبيته كشريك استراتيجي في المنطقة، وهو ما يحتم على صانع القرار الأمريكي مراجعة هذا الانحياز بما يتماشى مع مصلحته الاستراتيجية طويلة الأمد.
إن إقامة دولة صحراوية مستقلة قد يمنح واشنطن شريكا جديدًا في منطقة استراتيجية غنية بالموارد المعدنية، السمكية والزراعية، وعلى واجهة الأطلسي كمدخل للتجارة البحرية بين إفريقيا وأوروبا والأمريكيتين ويمثل فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتعزيز استقرار شمال إفريقيا ومنطقة الساحل .
كما أن قيام الدولة الصحراوية كاملة السيادة سيساهم في نمو شمال إفريقيا ويعزز التبادل التجاري الدولي من خلال فتح أسواق جديدة وتوطيد التحالفات الإقليمية على أسس قانونية وحقوقية راسخة. في هذا الإطار ينتظر من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بوجه خاص، أن يتحملوا مسؤولياتهم وفق ميثاق المنظمة وقراراتها ذات الصلة بتصفية الاستعمار.
فالجمود الحالي وانسداد الأفق لا يخدمان استقرار المنطقة، بل يعززان فرص التصعيد، ومن المهم أن يصدر مجلس الأمن قرارا صريحا يلزم المغرب باحترام التزاماته ويضع جدولا زمنيا واضحا لاستفتاء تقرير المصير تحت إشراف أممي، فأي التفاف على هذا المسار من خلال مبادرات أحادية أو مؤامرات سياسية سينتج مزيدًا من التوتر ويهدد الاستقرار الإقليمي.
إن النزاع في الصحراء الغربية لم يكن يوما نزاعا إقليميا بالمعنى الضيق بل واختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي وخاصة القوى الكبرى بمبادئ الحرية والشرعية الدولية، وإن استمرار الإدارة الأمريكية في دعم الموقف المغربي دون سند قانوني أو سياسي، سيفقدها مصداقيتها الدولية وسيحولها من وسيط محتمل إلى طرف منحاز في مشروع استعماري. أما الحل الحقيقي، فلا يكون إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره، وفق ما تنص عليه القوانين الدولية وتجمع عليه كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.