
الهجرة .. بين البحث عن المستقبل والحفاظ على العهد.
شهدت السنوات الأخيرة موجة متزايدة من هجرة الشباب الصحراوي نحو أوروبا، لم تقتصر على قوارب الموت التي تخترق البحر، بل امتدت إلى ما اصطلح عليه بـ”شراء التأشيرات” بطرق متعددة. هذه الظاهرة، وإن حملت أبعادا اجتماعية واقتصادية معروفة، أصبحت أيضًا موضوعًا للجدل في الساحة الوطنية ، حيث تتداخل فيها الطموحات الفردية مع المسؤوليات الوطنية.
في خضم هذا النقاش، يتساءل كثيرون: هل الإشكال في الهجرة ذاتها، أم في الموقف الذي يتبناه الشاب المهاجر تجاه قضيته بعد الرحيل …
فالهجرة، في جوهرها، ليست تهمة ولا خيانة، إذ يحق لكل فرد البحث عن مستقبل أفضل وحياة كريمة. لكن المقلق هو تحوّل بعض التجارب الفردية إلى منصات للتبخيس والنيل من المؤسسات الوطنية، وكأن الرحيل يمنح الحق في تصفية الحسابات مع قضية شعب بأكمله.
إنّ الواجب الوطني لا يسقط بقطع الحدود، والوفاء لعهد الشهداء ولتضحيات المعتقلين والجرحى والمقاتلين لا يُقاس بالمكان، بل بالموقف والمساهمة. دعم المؤسسات الوطنية، ولو بأبسط الأشكال، يظل خيارًا متاحًا لكل من غادر أو بقي، وهو رسالة تضامن تتجاوز اليأس المؤقت.
يستحضر الصحراويون تجربة عام 2009 حين شهدت المنطقة موجة هجرة أكبر من اليوم، إذ توجه عدد كبير من الشباب نحو الأراضي المحتلة، لكن أغلبهم أسهم في صناعة محطة نضالية بارزة في مخيم اكديم إيزيك، مما يؤكد أن الوعي هو الفارق الحقيقي بين من يهاجر بحثًا عن فرصة وبين من يهاجر لينقلب على قضيته. بل عادو إلى مخيمات العزة والكرامة
وفي زمن تتسارع فيه الأصوات الناقدة والسخرية على وسائل التواصل، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى خطاب متزن ومسؤول، يرفض تحويل الحنين أو الغضب إلى منصة للنيل من وحدة الصف، ويدعو بدلا من ذلك إلى تعزيز روح المشاركة والدعم، كل بحسب استطاعته وظروفه.
فالخيار ليس بين أن تهاجر أو تبقى، بل بين أن تكون سلبيًا أو فاعلًا؛ بين أن تُسهم في بناء وطنك من أي مكان كنت، أو أن تضيف جرحا جديدا إلى جراحه.
بقلم: حمادي محمد لامين الجيد