
الإعلام الصحراوي .. مسيرة تحد من أجل الحق وإيصال الحقيقة
بقلم : محمد حسنة الطالب
يقف الإعلام الصحراوي اليوم على عتبة خمسين عاما من المقاومة والصمود ، وتلك مسيرة طويلة كانت بداياتها مليئة بإكراهات الواقع وصعوبة الظروف ، حيث قلة الإمكانيات وضعف التجربة وندرة التخصص في هذا المجال الهام والفعال في التعريف بحركات التحرير والقضايا العادلة للشعوب المناضلة .
ورغم ذلك الوضع المرير في تاريخ الإعلام الصحراوي ، إلا أن الإرادة القوية بددت المستحيل وجعلت هذا المولود الجديد يحبو ببراءته يتلمس طريقه في فضح مكائد الأعداء ومناوراتهم ، وعيا بعدالة القضية الصحراوية وبما يضرب حولها من تعتيم ممنهج يروم إقبار حق الشعب الصحراوي في الحرية وتقرير المصير ، ولقد إستطاع الإعلام الصحراوي بعون الله ومشيئته ، النجاة من الموت السريري في المهد ، ومن التعثر في بداية الطريق رغم كثرة المطبات ، وهو الذي ولد من رحم المعاناة والدسائس التي يبيتها الأعداء للشعب الصحراوي وقضيته العادلة ، فشحذت عزيمته تلك الخيانة التي إرتكبتها إسبانيا في ال 14 نوفمبر 1975 ، والتي بموجبها تم ذلك العدوان الغادر على الصحراويين وأرضهم ، من طرف نظام الإحتلال المغربي وأعوانه أواخر العام 1975 .
لقد كانت بدايات الإعلام الصحراوي عبارة عن بث إذاعي محدود من بعض إذاعات الدول الصديقة ك “صوت الصحراء الحرة” من الجزائر، وبرنامج “الساقية والوادي” من ليبيا ، في ما كانت البداية الفعلية لتأسيس الإذاعة الوطنية في 28 ديسمبر 1975 ، كصوت رسمي للشعب الصحراوي المكافح ، وإلى ذلك كانت صحيفة “الصحراء الحرة” أول نشرية رسمية تصدر في نفس السنة عن الإعلام الصحراوي المكتوب ، ولا ننسى في هذا الصدد قيمة الصورة بشقيها الجامد والمتحرك ودورها في توثيق نضالات الشعب الصحراوي وسبل مناهضته لكل من الإستعمار الإسباني البائد والإحتلال المغربي الراهن ، رغم ندرة آلات التصوير آنذاك وضعف جودتها وقلة العنصر البشري الذي يتقن إستخدامها .
كما لا يمكن أن نهمل ذلك الفعل الوطني المتعدد الأوجه الثقافية ، التاريخية والجغرافية وعلى مختلف مستويات الشرعية الدولية ، الذي ما إنفكت تصنعه الدبلوماسية إينما وجدت ، والجماهير الصحراوية حيثما حلت وإرتحلت ، حيث شكل ذلك الفعل الوطني المتعدد الأبعاد ، مادة دسمة للإعلام الصحراوي عززت رسالته الى كل أصقاع العالم بحقائق دامغة وشهادات حية توثق طبيعة الواقع ومجريات الأحداث في الصحراء الغربية ، هذه الأخيرة التي كانت تعد الولاية 53 في التشكيل الإداري الإسبانيا ، وتصنف منذ ستينيات القرن الماضي كقضية تصفية إستعمار في إطار اللجنة الرابعة للأمم المتحدة ، ومازال النظام المغربي الى اليوم يسعى إلى الإلتفاف على شرعيتها بالزور والبهتان ، ويقف دون حلها بالعراقيل والمناورات .
لقد إشتد عود الإعلام الصحراوي اليوم أكثر من أي وقت مضى ، وتعززت قدراته الحرفية والمهنية بتضافر الجهود على طريق البناء المؤسساتي وتطوير الأداء الإعلامي ، وحشد الكفاءات البشرية الفاعلة وتوفير الإمكانيات المادية المناسبة ، وهو التوجه الذي تمخض عنه عديد الوسائط الصحروية الرسمية المعتمدة ، وعلى رأسها وكالة الأنباء ، التي تعد مرجعية للعديد من الوسائل الإعلامية الوطنية المستقلة والدولية الملتزمة ، ولمختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بها الساحة الوطنية اليوم غيرة على قضية الشعب الصحراوي العادلة ، وإندفاعة لتغطية أحداثها وتطوراتها على مختلف الأصعدة والواجهات .
وبفضل هذا الزخم الإعلامي الزاخر بالعطاءات الخلاقة ، والمكلل اليوم بالوفاء لعهد الشهداء وقوة العزيمة في خدمة المصير المشترك لكل الصحراويين ، قطع الإعلام الصحراوي خطوات جبارة على طريق التحرير والبناء ، وكان رمحا دقيق الهدف أصاب دعاية الإحتلال المغربي في مقتل ، وكذب كل أوهامها ومغالطاتها بالدليل الواضح والحجة البينة ، لا سيما في ظل ثورة الإنترنت وإنتشار الشبكة المعلوماتية ، التي لا يمكن حجبها عن أي كان ، في ظل ما تتيحه الخبرة الثرية والتجربة الطويلة للإعلامي الصحراوي المتمرس ، من تمكن في مهارات التكنولوجيا وسيطرة على طلاسيمها ، وقدرة فائقة على مسايرتها وكشف ما يمكن أن يفبرك في إطارها من كذب وتزوير فاضح لحقيقة لواقع .
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقف إحتفالا بمسيرة حافلة بالإنجازات والمكاسب ، عظيمة بعظمة دم شهدائنا في ميدان الشرف وفي مهنة المتاعب ، وجليلة بمجهودات جنودنا المرابطين في هذه الجبهة المهمة والساخنة من جبهات صراعنا مع الإحتلال المغربي وأعوانه ، وطوبى لشعبنا بمرور خمسين عاما على تأسيس هذا الصرح الإعلامي الفعال في رفع التحدي ، والراقي في إظهار الحقيقة وإزهاق الباطل .



