السر الأمني …
العقلية الأمنية في المغرب تعتمد دائما منهجية ” تقسيم مصدر الخطر إلى أجزاء ” ، وفي أحسن الحالات خلق الشرخ لجزئين متنافرين في الجسم الواحد ، وهذا جُرب مع عدة تيارات مغربية كانت تشكل خطراً على النظام الحاكم في المغرب ، حتى أن الأجهزة المغربية استطاعت تقسيم تنظيمات مُحكمة تنظيميا و تتميز بسرية عالية ، خاصة فترة سبعينيات القرن الماضي ، وهنا اكتسبَت دار المخزن خبرة كبيرة في هذه المنهجية ، ولكن كل تلك الخبرة كانت تتوقف عند التجربة الصحراوية ، حيث فشلت أجهزة الإحتلال في تحقيق أي هدف استراتيجي يضرب قوة البوليساريو وتماسكها التنظيمي خارج الأرض المحتلة ، رغم نجاحها في تقسيم تجمعات صحراوية أخرى خاصة تلك التي تشتغل من الداخل المحتل كالإطارات السياسية و تجمعات المعطلين نموذجا . فاليوم لا يجد المتابع العادي تفسيراً دقيقا لغياب الاطارات المعطلة عن الساحة الميدانية بالمدن المحتلة وهو تواجد كان ملفتا خلال سنوات خلت ، رغم أن أسباب الاحتجاجات ، ذات المطالب الاجتماعية و الاقتصادية ، تبقى موجودة ، بل أن الاوضاع أكثر تدهوراً من السابق ، أي أن الوقوف بالشكل الدقيق على ” السر الأمني ” و المنهجية الامنية التي اقبرت المعطلين و المنهجيات المستعملة كان بحثاً غائبا ولازال ، رغم موقفي من تلك الطرق النضالية ، ولكن يبقى لفت الانتباه لهذا الأمر ضرورياً .
من جهة أخرى لم تحقق الآليات الايديولوجية و سياسة الجزرة المرفقة بسياسة العصى أي نتيجة اتجاه الصحراويين بالمدن المحتلة ، خاصة استراتيجية أدلجة الأجيال الصاعدة و إبعادها عن فكر جبهة البوليساريو ، حيث كانت مراحل التقييم التي تقوم بها دولة المخزن بشكل دوري للوقوف على مدى تأثير تلك السياسات ، تجعلها تستنتج عدة استنتاجات خاطئة ، وكان الحال الهادئ و تجول الناس بشكل عادي في الشارع دون تصادم مع قوة القمع يوهم المخزن أن تلك الاستراتجيات تعطي ثمارها و أن الصحراويين أصبحوا غير مهتمين بالانتفاضة ، ولكن عادة ما تكون الصدمة قوية عندما تجد الجماهير فرصة للتحشد لتغلق الشوارع بالحشود المنتفضة ضد الإحتلال وبغضب شديد يتطور أحيانا لمهاجمة القوات المغربية و حرق سيارات القمع ، وهذا حدث أكثر من مرة ، كان آخرها ما حدثت السنة الماضية بعد مباراة المغرب و الجزائر وفوز الأخيرة . وقد يقول بعضنا أن ما حدث لا يدخل في إطار سياسي ، ولكنّ أصحاب هذا الرأي لا ينتبهون أن حشود الصحراويين خرجت للاحتفال بفوز المنتخب الجزائري _ حليف الشعب الصحراوي _ على منتخب الإحتلال ، فكان المخزن حينها لا يجد ما يبرر به ما حدث، خاصة وانه يقول أن ” الصحراويين مغاربة ” ، إذن كيف لمغاربة أن يخرجوا للإحتفال بخسارة ما يُقال أنه منتخب بلدهم ! .
وبما أني وُلدت في الأرض المحتلة ، ومرتبط اجتماعيا بالناس هناك ، وأعرف واقعهم جيدا و ظروفهم ونوياهم ، فإنني سأخذ مثال قريب . اليوم المواطن الصحراوي العادي الذي لا يخرج في المظاهرات بشكل يومي إلا إذا حدثت انتفاضة كبيرة ، وحتى الصحراويين الذي يشتغلون في الإدارات المغربية و التجار ، عندما تتحدث معهم عن موضوع الساعة المتمثل في مسرحية كناريا يقولون لك ” يطيرهم جماعة من عملاء المخزن ” ، حتى أن بعض صعاليك السلام يجدون مشاكل مع محيطهم العائلي القريب الرافض لما يقوم به الصعاليك ، هذا بالإضافة للمعطيات السابقة كلها مؤشرات تؤكد أن الوعي الجماعي ما يزال بخير بشكل عام ، رغم مخططات تم الإشتغال عليها استراتيجيا من طرف المخزن موظفا لذلك خبراء في المجتمع الصحراوي و دكاترة علم الإجتماع و النفس .. الخ ، لهذا كان الإستنتاج الحاصل عند الأجهزة المغربية هو أن الأوضاع الهادئة شعبيا لا تعني غياب الوعي الجماعي المتمثل في أن المغرب عدو ، وبتالي القناعة الراهنة عند المخزن هي أن “الصحراويين كلهم بوليزاريو ” ، وفي أي فرصة يجدونها سيخرجون للتظاهر وتدمير سيارات الشرطة وحرقها كما يحدث على الأقل كل سنة أو سنتين ، وهي أحداث كان آخرها في ديسمبر 2021 .
ورغم أن هذا ” السر الأمني ” _ الذي لايزال يتطلب منا بحث معمق في تفاصيله _ يرتكز على المقاربة القمعية و الاقتصادية ، كمنهجية رئيسية لإقبار الفعل السياسي و بعد ذلك الاجتماعي ، أو كلاهما معاً ، إلا أن هذه المنهجية ربما كانت من أسباب القضاء على المجموعات المعطلة بالاضافة لإضعاف الإطارات السياسية و الحقوقية خاصة في الشق المتعلق بدورها الميداني ، ولكن تبقى هذه المنهجية ” القمعية _ الاقتصادية ” فاشلة أمام الفعل الفُجائي الذي تقوده الجماهير من تلقاء نفسها ولو بشكل موسمي ، رغم فاعلية مقاربة المخزن أمام الأدوات التي تقود التجمعات المنظِمة المؤطرة للفعل السياسي و النقابي و الاجتماعي .
بقلم : مبارك سيدأحمد مامين