مجلس الأمن، أمن من؟
بقلم الاستاذ مصطفي الكتاب
قيل بأن مجلس أمن الأمم المتحدة يسعى منذ تأسيسه إلى تجسيد وتحقيق السلم العالمي، أو هكذا – صوروه ـ سوقوا لنا وجوده كهيئة عليا يعود إليها الفصل في كل ما قد تشهده الكرة الأرضية من خلافات، وصنف المجلس بدوره أفعاله والحالات التي تتطلب تدخلا منه ضمن بنود أشهرها البندين السادس والسابع، حسب رؤيته هو – المجلس – لهذا النزاع أو ذاك، ومدى تأثيره أو تهديده للسلم والاستقرار العالميين، طبعا ليس حسب عدالة قضية بعينها أو مظلومية طرف في نزاع ما، المهم هو الحفاظ على الأمن العالمي، لكن أمن من؟ واستقرار من؟ ذلك تأويل يستأثر به المجلس لنفسه.
الحقيقة المؤسفة هي أن تاريخ المجلس ليس بالتاريخ المشرف الذي يجعلنا كمجتمع بشري متحضر نفتخر بأننا تمكنا من القيام بنهضة شاملة ترتكز على العدالة وإحقاق الحق، وأنها أوجدت القوانين والمكانيزمات والهيئات التي تمكنها من كبح غرائزنا الحيوانية وجشع أنفسنا الأمارة بالسوء. لكن الحقيقة المرة هي أن كل ما أوجدته، هو تزكية قانون الغاب، ذلك القانون الذي لا يعترف إلا بحق القوة وينكر ويتنكر لقوة الحق، بل حولت الأرض إلى غابة نمور ضارية وذئاب جائعة أول ضحاياها هو الإنسان، هو الحق، تارة بحرب باردة وأحيانا بحروب بالوكالة، وصراعات أيديولوجية تسوق لمطامح وأطماع عضو أو مجموعة من الأعضاء الدائمين في الهيئة “الموقرة”.
نجح المجلس في السيطرة على مؤهلات ومقدرات شعوب المعمورة، لكنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق الهدف الذي أنشئ لأجله، العدل ونشر السلم والطمأنينة، بل صار مرادفا للاستعمار والاستغلال والتسلط والقهر. وليس من باب المبالغة ولا التحامل على الهيئة “الموقرة”، إذا قلنا إننا لم نجد في تاريخ المجلس منذ نشأته أي موقف بجانب الحق أو دفاعا عن العدالة. كل ما سيجده الباحث الشغوف في تراث وإرث المجلس، هو كم لا متناهي من الوثائق المكتوبة بلغة منمقة وعبارات اختيرت بعناية لتكريس هيمنة المجلس وتسلطه ومجانبته للحق والعدل.
في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها الكرة الارضية وما تعانيه من فتك جائحة فيروس كورونا، فشل مجلس الأمن في تجاوز خلافاته، وفشل حتى في تقديم خطاب عزاء ومواساة يجعل البشرية تشعر بأن هناك من يهتم لأمرها، من يهتم بصحة أولئك الذين ينتجون ويصنعون ما يملأ خزائن دول وأعضاء الهيئة “الموقرة”. بالرغم من تباكي الأمين العام الاممي لأعضاء المجلس وحثهم على تجاوز خلافاتهم للتصدي للجائحة، طغت المصالح الذاتية وتحكمت الأنانية المتأصلة في نفوس الاستعماريين لتكون أقوى من الحس الإنساني لدى الأعضاء الدائمين للهيئة “الموقرة”.
في هذا الاجتماع الذي عقد يوم 09/04/2020، قدم الأمين العام الأممي إحاطة أخرى حول أقدم نزاع لتصفية الاستعمار في القارة الإفريقية، نزاع الصحراء الغربية، وذلك بناء على قرارات المجلس المطالبة دوما بالاطلاع على تطورات ومستجدات النزاع. لكن المجلس فشل من جديد في تقديم أي دعم للعملية السلمية، ولا أقول دعما أو إنصافا للشعب الصحراوي المشرد من أرضه منذ خمس وأربعين سنة، أو إكراما لشعب ضحى بما لديه لتعزيز الثقة في المجلس نفسه، بتحمل شظف العيش واللجوء، والصبر على البطش وانتهاك حقوقه الأساسية أمام خرس بل وتواطئ بعض من أعضاء المجلس نفسه، ولكن احتراما لمخطط سمي حين إقراره في العقد التاسع من القرن الماضي، بالمخطط الأممي الإفريقي لإحلال السلام بالصحراء الغربية، والذي أجمع عليه أعضاء المجلس “الموقر” ذات يوم من سنة 1991، وأصدروا قرارهم 1991/690 الذي بموجبه أنشئت آلية أممية أسموها بعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية، المعروفة اختصارا بــ “مينورصو”. وبالرغم مما للأمين العام الأممي السيد غوتيريس من وزر في ذلك لما يتصف به من مجانبة الحياد ومحاباة الطرف الظالم، تبقى المسئولية الكبرى للمجلس لما له من قوة ونفوذ.
يبقى السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا يريد مجلس الأمن، أو ماذا تريد الأمم المتحدة أمانتها العامة، وأمينها العام، ومجلس أمنها من الشعب الصحراوي؟
ألم تسجل الأمم المتحدة إقليم الصحراء الغربية كإقليم مستعمر في العام 1965 وتقرر في العام 1966 وجوب ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في تقرير المصير والاستقلال، ومازالت تصدر القرارات بوجوب ذلك حتى الآن.
ألم تبعث بعثة لتقصي الحقائق في العام 1975 لزيارة المنطقة والوقوف على حقيقة رأي سكانها، والتي أكدت تمسك هؤلاء بحقهم في الحرية والاستقلال ورفضهم للأطماع التوسعية.
ألم تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية حول مطالبات الجيران بالصحراء الغربية، والطريقة الأمثل لتصفية الاستعمار من هذه الأخيرة؟ والتي ردت ـ أي المحكمة ـ في رأيها الاستشاري المنشور في 16/10/1975 ببطلان مزاعم الجيران وانتفاء ما يثبت مطالباتهم، وضرورة تطبيق مبدأ تقرير المصير وفقا للقرار 1514.
ألم يشجب مجلس الأمن سنة 1975 في قراره 75/380، مسيرة النظام المغربي التوسعية التي هيأ بها لاجتياح أرض الصحراء الغربية؟
ألم تصنف الجمعية العامة للأمم المتحدة الصحراء الغربية بالمحتلة في قرارها رقم 37/34 الصادر في 21/06/1979.
وبما أننا لسنا بصدد جرد كل قرارات وتوصيات الأمم المتحدة بلجانها المختلفة وجمعيتها العامة ومجلس أمنها، أردنا التذكير فقط ولنتساءل أيضا أين ذهبت كل تلك القرارات وتلك التوصيات؟ ما هذا التدحرج نحو هاوية الباطل والانزلاق المبتعد عن الحق؟ ألا يوحي هذا الموقف بتجاهل المجلس لما قدمه الصحراويون من تنازلات أبسطها القبول بأن يستفتوا حول مصير أرضهم المعترف لهم بها، حقنا للدماء وتقديرا لتدخل المنتظم الدولي ممثلا بالأمم المتحدة ومجلس أمنها؟
إلى متى تظل الأمانة العامة للأمم المتحدة وأمينها العام، والسادة في مجلس الأمن يساوون بين الضحية والجلاد، بين الظالم والمظلوم؟ ألا يخجلون من أنفسهم؟ أم أنهم يجسدون بحق المثل القائل: إذا كنت لا تستحي فافعل ما شئت.
كم مرة على الصحراويين بل ومعهم كل محبي السلم والعدل في العالم أن يكرروا التساؤل، ما ذا يريد المنتظم الدولي من الصحراويين؟ والأهم، ما هو البر الذي يدفعون بسفينة نزاع الصحراء الغربية للرسو.