كما عوّدناكم، يُجري موقع الرابطة مقابلات مع الشخصيات الصحراوية بالمهجر، التي استطاعت ان تشق طريقها نحو المستقبل وتثبت وجودها داخل مجتمع الهجرة. فالصحراوي رغم صعوبة المرحلة التي يمر بها شعبه وقساوة الطبيعة، غير أنه تمكن من تشريف نفسه وقضيته في العديد من المجالات. وانطلاقا من ذلك، يستضيف موقع رابطة الصحراويين الصحراويين بأوروبا النخبة الصحراوية التي نجحت وتخطت كل الصعاب والتحديات من أجل تحفيز كل أفراد الجالية وشرح كيفية نجاح هذه النماذج بغرض الإقتداء بها.
ضيف موقع الرابطة في هذا العدد هو الدكتور، منصور بوسيف، الاخصائي في الطب العائلي بمستشفى اوسونا، وهو احد اكبر مستشفيات مدينة اشبيلية الاسبانية.
حاوره: البشير محمد لحسن
موقع الرابطة: أين ولدت وكيف كانت بداياتك التعليمية؟
الدكتور منصور: ولدت بدارئرة العركوب ولاية الداخلة، درست الابتدايئية بمدرسة عالي عمار، وبعد ذلك درست بمدرسة 12 اكتوبر الوطنية سنة 1998، ثم جئت الى اسبانيا في اطار برنامج عطل في سلام.
عشت مع ابوي منذ ذلك التاريخ بمدينة اشبيلية. بدأت تعليمي المتوسط هنا باشبيلية لانتقل الى مرحلة الثانوية، حيث نِلت شهادة البكالوريا بذات المدينة. بدأت مساري التعليمي الجامعي بمدينة سرغسطة سنة 2008، حيث درست الطب مدة ست سنوات. وبعد ان تخرجت في ذات التخصص هنا باشبيلية بمستشفى اوسونا سنة 2016.
موقع الرابطة: هل واجهتك أي الصعوبات من أي نوع سواء اثناء الدراسة أو العمل؟
صراحةً لم أجد أي مشكلة سواء في الابتدايئة او المتوسطة او اي من اطوار التعليم. لم تواجهني اي صعوبة تذكر في اللغة، حيث ان اللغة الثانية في بلادنا هي اللغة الاسبانية وهو ما سهل الأمور علي من هذه الناحية في الاندماج، كذلك لأن منطقة الاندلس لها تاريخ حافل وعلاقة خاصة مع العرب، فإلى حد ما كان لذلك انعكاس على نظرتهم للمهاجر.
موقع الرابطة: هل كان واضح لك منذ الصغر انك ستصبح طبيباً ام ان هناك عوامل جعلتك تختار مهنة الطب؟
الدكتور منصور: ما جعلني ادرس الطب هو ان من يولد بمخيمات اللاجئين مثلي يلاحظ ان هناك بعثات اجنبية طبية تأتي للمخيمات لعلاج المرضى واجراء عمليات جراحية وغيرها من الفحوصات. كل ذلك دفعني الى اختيار هذه المهنة من اجل مساعدة الاخرين وخاصة اللاجئين في الميدان الطبي على قدر استطاعتي. محبتي لمساعدة الناس جلعتني اتخذ من ميدان الطب احد اهم وسائل رد الجميل لهذا المجتمع عن طريق دراسة الطب ومعالجة مرضاه.
موقع الرابطة: كيف تمكنت من اتخاذ الدراسة كطريق لتغيير واقعك علما ان معظم المهاجرين الصحراويين يلجأون الى المهن الصعبة وحتى الهامشية في الغالب؟
الدكتور منصور: اظن ان ميلادي بمخيمات اللاجئين وملاحظة ان الناس هناك يساعدون بعضهم بعضا، كذلك تربية والديّ وسردهم لي باستمرار، خاصة جدتي، الصعوبات التي واجههوها في سنوات اللجوء الاولى وبناء الدولة من العدم. كل تلك التضحيات والقصص التي كنت اسمعها رسمت شخصيتي بشكل او باخر وهو ما جعلني اقدر التضحية من اجل بلوغ الهدف وتحقيق الحلم.
كما انني اقدر كثيرا الفرصة التي اتيحت لي بالدراسة في الخارج، وهو ما اثمنه واقدره وعليه جعلت تحدي لنفسي بأنه علي أن أكون على قدر المسؤولية وما ينتظره مني والدي وشعبي. كل ذلك دفعني لمساعدة شعبي من خلال البعثات الطبية التي ننظمها كل سنة مرة او مرتين لزيارة المخيمات ومعالجة مرضى بعض الامراض وتشخيص أخرى. بشكل مختصر، اقول ان الظروف التي ولدت بها وتضحيات شعبي جلعتني اضحي واجني ثمار ذلك بمساعدة مجتمعي في ظروف اللجوء الصعبة.
موقع الرابطة: كيف هي يوميات العمل في المستشفى؟
الدكتور منصور: الآن انا اواصل التخصص في ميدان طب العائلة، وبعد سنة بحول الله انتهي منه. كما هو معروف طبيب العائلة هو تخصص صعب وشائك، فعليه على سبيل المثال ان يكون على دراية واطلاع بكيفية عمل مختلف وظائف الانسان وجسم وأن تكون له فكرة عن العديد من الأمراض. عليك ان تختص مثلًا في الانف والحنجرة والكلى وبقية الاعضاء. تأتينا حالات يومية في المستشفى وانا لا زلت في طور التخصص، ونواجه صعوبات في الميدان وأحيانا تصلنا حالات أين تتاح لي الفرصة كي اشرح لهم ان هناك من هم في حاجة الى نصف ما لديهم من أدوية وبنية تحتية صحية ومستشفيات وأطباء وغير ذلك. ففي المخيمات هناك لاجئين يعيشون على المساعدات الانسانية ولديهم نقص كبير في كل المجالات، وهو ما ينعكس على نفسية المرضى ويقدرونه.
كل شهر من اشهر السنة ادرس تخصص مُعين في مجال الطب، واُجري خمس مداومات في الشهر في قسم الاستعجالات أين أواجه حالات مستعجلة تحتاج الى تدخل طبي فوري.
موقع الرابطة: حدِّثنا عن مشروع ايفاد اطباء وبعثات طبية لمخيمات اللاجئين؟
الدكتور منصور: عندما بدأت التخصص في الطلب، كان أحد أهم اهدافي هو أن اُوفِد بعثة طبية لمخيمات اللاجئين الصحراويين لتشخيص المرضى ومعالجتهم. قمت بتأسيس البعثة الطبية سنة 2016 وهي متكونة من اطباء مختصين في طب العائلة، اطباء الاطفال، مختصين في العظام والمفاصل وطبيبة نساء. لم أجد أي صعوبة في اعتماد البعثة وحتى الادوية لم منحها من طرف ادارة المستشفى الذي اعمل به. هدفنا بتمثل اساساً في مساعدة اللاجئين في المجال الطبي والمساهمو في معالجة بعض الامراض. نقوم بجولات على الولايات وفي المستشفى الوطني ونقوم باجراء عمليات جراحية، كما في السنة الماضية فقد نجحنا في جلب طبيب جراح للمرة الأولى. منذ سنة 2016 اوفدنا ثلاث بعثات طبية في مختلف التخصصات، وقد عَمِلنا في ولايات اوسرد، الداخلة والسمارة. لقد كانت تجربة رائعة وقد عبّر الاطباء عن رضاهم وسرورهم ورغبتهم في تكرارها.
موقع الرابطة: ماهو تقييمكم العام للتجربة؟
الدكتور منصور: أود هنا أن أسرد إحدى القصص التي اثرت فيّ أثناء زيارة البعثة الطبية وهي لرجلٍ بُتِرَت رجله نتيجة انفجار لغم ارضي بجدار الذل والعار المغربي. اجرى عملية جراحية في مستشفى مدينة تندوف الجزائري لكنها لم تكلل بالنجاح. الألغام هي شيء مدمر وخطير وتقتل الابرياء ومعالجة هذه الضحية أثر فينا جميعاً. كما أثر فينا أيضاً حال الاطفال الذين يعانون سوء التغذية وهو ما دفعنا في العام الموالي لجلب الكثير من الادوية للاطفال تحديداً. هناك ايضاً مرضى السكر الذين يجهلون انمهم مصابون به، فقد اجرينا كشفاً للكثير من المرضى الذين لا يعلمون انهم مصابون به. كل ذلك دفعنا للتفكير في مشروع للكشف المُبكّر عن مرضى السكري، وقد جلبنا جهازاً حديثاً للكشف عن المرض، ففي الاسبوع الاول من العمل كشفنا عن اكثر من 300 يجهل أصحابها أنهم مصابون بالمرض وقد اعطيناهم الدواء وبعد ثلاثة اشهر سوف نجري عليهم كشوفات وفحوصات.
موقع الرابطة: هل هناك ما تريد اضافته؟
الدكتور منصور: أسعى لمحاولة دفع الاطباء الصحراويين لتنظيم بعثات طبية دورية لمخيمات اللاجئين.أريد الحفاظ على هذا المشروع الرائع والعمل على استمراريته، وهو ما سيساعدنا في التغلب على المشاكل الصحية التي يعاني منها السكان.
خلال الاسابيع الماضية نظمنا لقاءً لكل البعثات الطبية الاندلسية التي تزور المخيمات من اجل تنسيق العمل المشترك. اللقاء حضره وزير الصحة الصحراوي ونحن راضون عن كل ذلك المجهود لانه يساهم في التنسيق بين البعثات ونسعى ان ينظم ذلك اللقاء بشكل سنوي وهو ما سينعكس بشكل مباشر على الوضع الصحي بالمخيمات من خلال تحسين الوضعية الصحية، كما يعد ايضا وسيلة للتعريف بالقضية الوطنية.
موقع الرابطة: شكراً جزيلاً لكم الدكتور منصور بوسيف على وقتكم وسعة صدركم.