كتاب وآراء

الإحتلال المغربي والتنكر للحرب !‎

يقول الصحراويون في مثل حساني أصيل ” البند أكبر من أساغا ” ، هذا المثل بالتأكيد لا يفهمه الشعب المغربي ولا نظامه المتغطرس ، نظرا للتباين الواضح بين الثقافتين الصحراوية والمغربية ، ورغم ذلك فإنه يجد مضربه في تنكر الإحتلال المغربي للحرب التي أشعل فتيلها في 13 نوفمبر 2020 ، ولكي يفهم النظام المغربي معاني ودلالات هذا المثل ، ما عليه إلا البحث في تداعيات إنتهاكه الصارخ لإتفاق وقف إطلاق النار ، حين خرجت قواته إلى المنطقة العازلة ، مستهدفة مجموعة من المدنيين الصحراوي ، كانت تحتج سلميا أمام الثغرة غير الشرعية بمنطقة الگرگرات ، ردا على سياسات الإحتلال المغربي وتواطؤ بعثة المينورسو ، التي تخلت عن تنظيم إستفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي ، وتحولت إلى حارس أمين لمصالح الإحتلال المغربي وأعوانه .

إن إنتهاك المملكة المغربية لإتفاق وقف إطلاق النار ، كان فرصة من ذهب ، إنتظرتها جبهة البوليساريو بفارق الصبر سنينا ، لإعلان الحرب مجددا في الصحراء الغربية ، وهو الأمر الذي تحمس له الشباب الصحراوي ، خاصة بعد أن عجزت منظمة الأمم المتحدة  ومجلس الأمن الدولي عن فرض تسوية شاملة للنزاع ، طيلة ما يقارب الثلاثين عاما من حالة اللا حرب واللا سلم ، فشلت فيها كل المساعي بفعل تعنت الطرف المغربي وتلاعبه بقرارات ومواثيق الشرعية الدولية .

عودة البوليساريو إلى الحرب اليوم أصبحت واقعا ملموسا تماما كالشمس في كبد السماء ، وهو ما تؤكده الهجومات المتتالية والدقيقة لجيش التحرير الشعبي الصحراوي على مواقع وتمركزات قوات الاحتلال المغربي على طول الحزام الأمني ، ويشهد به الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة السيد ستيفان دوجاريك ، وتناولته وسائل الإعلام الدولية المختلفة في كل مكان ، والأكثر من ذلك تحركت بسببها الدبلوماسية المغربية في جنح الظلام ، بحثا عن وساطة أو تدخل يحفظ لدولة الإحتلال ذلك السلام العابث بإرادة الشعب الصحراوي في الحرية والإستقلال .

لكن الحر لا يلدغ من الجحر مرتين ، فالطرف الصحراوي يبدو مصرا أكثر من أي وقت مضى على وضع حد لحالة الجمود التي طالت الملف الصحراوي سنينا عديدة ، وبالتالي أصبح توقيف إطلاق النار في منظور جبهة البوليساريو أمرا بعيد المنال مع عدو لا يفهم إلا لغة النار والحديد .

وحتى لا تتكشف الأضرار التي لحقت بالطرف المغربي جراء القصف المتواصل لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي ، لجأ النظام الملكي إلى التعتيم على حالة الحرب السائدة بالمنطقة ، من خلال حذر الصحافة الأجنبية من الولوج إلى ساحة التوتر ، وقطع الإتصالات بين الجنود المغاربة وعائلاتهم مخافة إفتضاح أمره في أوساط الشعب المغربي ، هذا الأخير الذي يغلي على صفيح ساخن ، جراء الأزمات الخانقة والظواهر المشينة ، التي زاد من تفاقمها التورط في حرب خاسرة لا ناقة للمغاربة فيها ولا جمل .

التاريخ في هذا الصدد يحدثنا عن ستة عشر عاما من الحرب الضروس خاضتها جبهة البوليساريو ضد قوات الاحتلال المغربي ، أثبتت من خلالها قدرتها الفائقة على إلحاق خسائر فادحة في الأرواح والمعدات في صفوف القوات الملكية الغازية ، ما زالت شواهدها قائمة إلى حد الساعة .

إن تنكر النظام الملكي المغربي اليوم لخسائره وللأضرار التي لحقت به ، ليس بالأمر الجديد على مملكة تبني سياستها على الأوهام والخيالات ، فلقد سبق للملك الحسن الثاني أن تنكر لما يقارب ألفي أسير مغربي أطلقت البوليساريو سراحهم في فبراير من العام 2003 ، مثلما تنكر للقائه بالوفد الصحراوي بمراكش عام 1989 ، وما سبقه من لقاءات سرية بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو ، وكل ذلك لم يغير من الواقع شيئا ، لأن الحق باق ولو دارت عليه الأيام .

اليوم يسير الملك محمد السادس على ملة أبيه ، بل ويتجاوزها بقلب المفاهيم والتأويل الخاطئ لقوانين ومواثيق الشرعية الدولية ، ظنا منه أن الأكاذيب والمغالطات ، وسياسة شراء الذمم والمواقف من شأنها أن تصنع الفارق بين الحق والباطل ، فهو بهذه السياسة لا يعدو كونه كمن يطارد السراب في عز الصيف ، وموته محتوم في آخر المطاف .

لا شك أن النظام المغربي أوقع نفسه في مصيدة جبهة البوليساريو ، التي سمحت لها بالعودة مجددا إلى الحرب ، وعليه أن يتحمل العواقب ، فالتاريخ يعيد نفسه اليوم في الصحراء الغربية وإن إختلفت الظروف والأساليب وتعززت الإمكانيات العسكرية ، فإستعادة جبهة البوليساريو لزمام المبادرة ، سوف يحمل للإحتلال المغربي بوصفه تلميذ غبي ، مفاجئات مؤلمة في المستقبل ، رغم سعيه الحثيث  لٱخفاء تداعيات الحرب الإجتماعية ، السياسية والاقتصادية على الشعب المغربي المقهور ، وهو بذلك إنما يحاول تغطية الشمس بالغربال ، وإخفاء الحقائق بمغالطات تحاكي ذهنية الدونكشوت في مصارعته لطواحين الرياح .

بقلم : محمد حسنة الطالب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق