كتاب وآراء

من يملك أدوات العصر يطفو زيتُه…

حمدي حمودي

سئمنا لغة التحاليل والمناقشات الدسمة، فالوقائع على الارض والاخبار تسابق الباحث والحصيف ولا تتركه يلتقط حتى الانفاس، وقليلة هي المواقع التي يمكن ان تتابع بدقة ما يقع، فكيف بها في ما قد وقع، اما توقع مستقبل ما سيقع فتلك قصة أخرى…
غير ان الاتجاهات بصفة عامة ككفتي الميزان، وكالحسنات والسيئات، توضع اثقالها في خانة واحدة فقط، الربح او الخسارة، توزعهما يدان يمنى ويسرى..
انها حكمة الله، نفحات الخير، ولفحات الشر، وما بينهما هو صراع السيوف ولابد ان يتكسر سيف ويخرج علينا الفارس المنتصر.
لكن الله جل جلاله، مدبر الكون ومالكه ومسيّره وعد بالفوز لصاحب الحق وان طال النِّزال، انها ليست مُنْية ولكنّه قدْرٌ قد كتب. فالربح كالعبادة: صبر على الطّاعة وصبر عن المعصية، انه الثّبات على الحق وان كثرت العقبات والزام العربة بقضبان السكة وان بدى الطريق طويلا. ويبدو في هذه الايام مما طفا على ساحة الصراع بين الدولة الصحراوية ومملكة الرباط، هو بروز طبقة من الشبان الجدد الذي تسلموا ويتسلمون دفة القيادة في كلا البلدين.

طبقة من اصدقاء الملك المغربي سلخوا عن شعبهم، وتأمروا وتنمروا زمرة لم تر ليلة سوداء، ممتلئة الجيوب غارقة في المال الحرام، تلهيها وتثقلها همومها ومشاريعها الخاصة وكل صار رجلا رَضّاعة وذراعا للاخطبوط الكبير الملك الذي يمتص بمصاصاته كل الجسم المغربي حتى صار الشعب في المغرب فقير الدم هزيلا شاحبا تنتابه الحمى على شكل ثورات هنا وهناك ويتمدد المرض في جميع اوصاله مانحا ما تبقى من الجثة للاخطبوط مستسلما امام قوة الفرعون وهاماناته تقدم له مراسم الركوع والسجود من دون الله.
وطبقة من المناضلين الشبان الصحراويين، ابناء خيم اللجوء، عصرتهم الحمادة وسنوات اللجوء القاسية، ونهلوا من العلم الحديث حتى رووا، فتلك سياسة انتهجتها الثورة الصحراوية بشكل مقصود وغرست نبتتها وتعهدتها، حتى نمت وازهرت.
فشتان بين قيادة في رأس الهرم ترى من تحتها كالخدم، درسوا في القصور الملكية، تعين بأمر من الملك، وشبان من أبناء بيوت الطين بيوت الصبر رغم غنى الأرض وغنى العرض تعينها الشهادات العليا والانتخاب في المؤتمرات الشعبية. نعتقد ان الجيل الجديد من الصحراويين سينقل الدولة الى دولة عصرية منظمة على شكل خلايا ليست فقط نضالية بل مهنية وتخصصية، وتلك ليست أمنية ولكنها زرعة نبتت وفرض عليها ان تعايش العالم بتكوينها وتظهر شخصيتها فالشعب الصحراوي شعب حرّ فبالحرية يستطع الابداع وصغير مما يسهل الحركة ويجعلها سالكة، مثقف ومتعلم ومهيِأ لركوب تلك السفينة والانطلاق الى المستقبل.
بالمقابل نجد ان الملك وحاشيته واصدقاؤه منفصلين تماما عن الشعب المغربي الذي تحاصره الثورات والامراض الاجتماعية بل يتقهقر القطاع العام مثل التعليم والصحة ومظاهر البؤس التي تصل الى الموت بالجوع والمرض في الشوارع والذل والقهر التي تعانيه المسنات عند المعابر بل الطحن بمطحنة المزابل والزج بمئات الشبان الذين طالبوا فقط ببناء مستشفى في الريف،
ومظاهر السجود والركوع التي تقدم للملك اللاهي في الخارج في صور السلفي مع الأجانب بالملابس المزركشة كل سنة ,وغيره كثير مما يدلّ على انها آيلة الى الاندثار اليوم او غدا أو تغييرا جذريا يقلب الاعلى الى الاسفل. نعتقد ان زوال الوجود الاستعماري في الصحراء الغربية قضية وقت فقط، فنحن موحدون على المضي بدولتنا نعالج العيوب التي لا يخلو منها أي نظام ولكن بالطريقة العلمية وبها فقط يمكن ان نضمن البقاء ولا يتم ذلك الا بالتشجيع على سلكها والابتعاد عن الارتجالية والحماس الغير مؤسس ولا منظم لترشيد الامكانيات ووضوح الاهداف القريبة منها والبعيدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق