كتاب وآراء

المغرب والجزائر التكفير عن أسباب الخلاف خطوة في الاتجاه الصحيح‎‎.

لكل خلاف بين أطراف معينة اسبابه المحددة وتداعياته المؤثرة ، وبمعالجة هذه الأسباب يمكن التوصل إلى توافق وتصالح يمنع تكرار الأخطاء في المستقبل بين المختلفين .

من هنا وعلى هذا الأساس يمكن أن نعمد إلى تحليل حالة الخلاف المغربي الجزائري ومعرفة أي من الطرفين يقف حاجزا أمام المصالحة بينهما ، لذلك لا بد أن تكون هذه الرؤية واضحة وحاضرة لرأب الصدع بين البلدين الشقيقين ، وعليه لا بد من ذكر الحقائق التالية التي هي في الواقع أسباب يجب أن يأخذها المغرب بالخصوص بعين الإعتبار إذا كان ملكه بالفعل يريد تنقية الأجواء بين بلده والجزائر وبناء علاقات أخوية على أسس متينة قوامها التقارب طبقا لروابط اللغة والدين ، وحدة الثقافة والتاريخ ، وحدة الآفاق والتطلعات ، ووحدة الإنتماء والمصير المشترك ، فإذا جسدت كل هذه القواسم المشتركة بعناية وتم إحترامها فبدون شك سيتم الإرتحال عن أخطاء الماضي والحذر من هفوات الحاضر وااتخلي عن النوايا الخسيسة المبيتة للمستقبل ، وبالتالي فلا ضير في قول الحقيقة وتسمية الأشياء بمسمياتها إذا ما أراد هذان البلدان تحقيق نقلة نوعية على طريق التفاهم والتكامل .

وقبل أن نلج إلى ذكر تلك الحقائق التي يراها الطرف الجزائري عائقا أمام عودة المياه إلى مجاريها المطلوبة بين البلدين ، وجب التذكير بأنه لو كان للطرف المغربي مآخذ على الجزائر في هذا الصدد لوضعها على الطاولة ولما كان لملكه كل هذا التودد والإلحاح على فتح الحدود بين البلدين والسعي إلى تطوير العلاقات بينهما ، ما يعني أن المغرب هو المذنب وهو المتضرر في نفس الوقت ، وعليه أن ينساق إلى الطريقة التي تمكنه من الخروج من المأزق .

فإذا كان المغرب صادقا في هذا التوجه وتهمه مصلحته ومصلحة شعوب المنطقة المغاربية ككل ، عليه أولا أن يترك لغة الخطابات جانبا وأن يعمد إلى القنوات الدبلوماسية التي تتيح الحوار في هذا الشأن لتذليل مختلف الإشكاليات المطروحة ، وعليه أن يراجع سلوكاته المنحرفة التي من ضمنها علاقاته مع الكيان الإسرائيلي مكمن الخطر بالنسبة للأمة العربية والإسلامية وسر الخذلان الذي تتخبط فيه منذ زمن ، على المغرب أن يعتذر عن إتهامه للجزائر بالإرهاب غداة تفجيرات مراكش عام 1994 ، وعن وصفها بالدولة العدوة كما صرح بذلك قنصله بوهران شهر ماي 2020 ، وأن يقدم تفسيرا لما قام به ممثله بالأمم المتحدة عمر هلال حين وزع مذكرة على هامش الإجتماع الإفتراضي لدول حركة عدم الإنحياز بين 13 و 14 يوليوز المنصرم تنعت الجزائر بالدولة المحتلة لشعب القبائل وتطالبها بإعطاء القبائل حقهم في تقرير المصير .

عليه كذلك أن يكف عن إغراق الجزائر بالمخدرات وعن إستهدافها بالإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة ، وأن يوقف حملاته الإعلامية المغرضة ضدها وأن يكف عن إلتجسس عليها وجلب الخطر إلى حدودها ، على المغرب أيضا أن يعود إلى الواقع وإلى ما تمليه الشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء الغربية بإعتبارها قضية تصفية إستعمار مسجلة لدى اللجنة الرابعة للأمم المتحدة وصدرت بشأنها قرارات من مجلس الأمن الدولي ومن منظمة الأمم المتحدة تماشيا والرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر 1975 ، وبالتالي فالجزائر ليست طرفا في نزاع الصحراء الغربية ولا دخل لها فيه إلا من حيث عملها بمبادئ وقيم ثورتها المجيدة التي تسأند حركات التحرر والقضايا العادلة في العالم ، ولذلك يتوجب على المغرب الكف عن إقحام الجزائر في هذا الملف وعن إعتبارها طرفا مباشرا فيه ، لا سيما أن الأمم المتحدة تعترف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي ، وهذه الأخيرة هي من خاضت الحرب ضد الغزو المغربي للصحراء الغربية منذ 31 أكتوبر 1975 وعلى مدار 16 عاما من الكفاح المسلح ، وهي من فاوضت المغرب أكثر من مرة ، وتخوض الحرب الثانية ضده اليوم بعد أن إخترق إتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين في 13 نوفمبر الفارط بمنطقة الگرگرات أقصى جنوب الصحراء الغربية ، كما أن جبهة البوليساريو هي من يناهض مناضلوها بالمدن المحتلة وبكل مواقع الفعل والنضال الإحتلال المغربي اللا شرعي لأجزاء من تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هذه الأخيرة التي تعد عضوا مؤسسا في الإتحاد الإفريقي ، ويجالسها المغرب في مختلف هيئات هذا الإتحاد ، الذي وقع على قانونه التأسيسي غداة إنضمامه إليه في 30 يناير 2017 ، ذلك القانون الذي ينص من بين مواده على إحترام سيادة الدول الأعضاء .

بناء على ما سبق يبدو أن الجزائر لا تطلب المستحيل من النظام المغربي كونه هو السباق لإختلاق الأزمات والتوترات معها ، ولذلك يحق للجزائر طلب الإعتذار من المغرب تكفيرا عما إقترفه من نوايا خسيسة وسلوكات غير لائقة تجاهها .

إذا على المغرب الإعتذار والعمل على كسب ثقة الجزائر وجعلها تتأكد من حسن نواياه ، وحين يقوم بذلك فبطبيعة الحال  أن الجزائر سترحب به كبلد شقيق وجار تقدر حرصه على مصلحة البلدين وإعتبارها أكثر من أي وقت مضى ، وبدون شك ستسعى لتكون سندا له في السراء والضراء ما دام يقدر أواصر المحبة وحق الجار على الجار ويعمل على تجسيد السلم والأمن في المنطقة وإحترام إرادة الشعوب المغاربية في الرقي والإزدهار وتحقيق التكامل والتضامن في مختلف مجالات الحياة.

إن إلحاح الملك المغربي على فتح الحدود وعلى تطوير العلاقات بين المغرب والجزائر بدون شروط وعبر خطابات عابرة هو أمر لا يمكن أن يستقيم ، خاصة بعد ما غرد النظام المغربي خارج السرب ردحا من الزمن من خلال ميوله لدول الخليج وسياساتها الملونة ، وتفضيله التعاطي مع الإتحاد الأوروبي بدل التعامل بجدية مع دول الإتحاد المغاربي الذي ظل مشلولا بسببه ، هذا علاوة على تطبيعه العلاقات مع إسرائيل في مؤشر واضح للخذلان وخيانة القضية الفلسطينية التي قايضها مع الإدارة الأمريكية السابقة مقابل الإعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية ، فضلا عن تحالفه ضد الجزائر ومشاركته في مناورات ما سمي ب ” الأسد الإفريقي ” وتبنيه أهدافها المبيتة التي كانت تستهدف منظومات الدفاع الجوية الجزائرية المتطورة حسب بعض المحللين الإستيراتيجيين العارفين بالأجندات الخارجية التي تحاك ضد المنطقة المغاربية  .

إن تصفية الحسابات وتجسيد التقارب بين الجزائر والمغرب وبالنظر إلى ما سبق لا يمكن أن يتم بين غمضة عين وإنتباهتها أو بمجرد خطاب ونزوة عابرة ، لأن الأمر ليس بتلك السهولة التي يراها الملك محمد السادس ، فالمسألة تتطلب من النظام المغربي التواضع الفعلي وتوبة نصوحة تأخذ بمصلحة ذوي القربى أولا وقبل كل شئ ، وترفض أي مساس بالثوابت العربية القومية والإسلامية العقيدية والدفاع عن الأهداف المشتركة والمستقبل الواحد .

نتمنى أن يترك العاهل المغربي خطاباته الواهية جانبا وأن ينزل إلى الواقع إذا ما أراد التكفير عن سيئات نظامه تجاه الجزائر وتجاه دول المنطقة عموما ، تجسيدا لحلم مغرب عربي موحد تذوب فيه كل الخلافات والنوايا السيئة وتمحى فيه كل الحدود إعتبارا لآمال الشعوب المغاربية وتطلعاتها إلى التكامل والتآزر في ما بينها ، وليس ذلك بعسير على من يصفه شعبه بأمير المؤمنين ويفترض فيه جمع ذات البين بدلا من تشتيتها خدمة لحاجة في نفس يعقوب .

بقلم : محمد حسنة الطالب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق