كتاب وآراء

ولد ددي .. او الرجل الواضح الذي لا يختبئ خلف مواقفه ..

ملاحظة .. الصور المرفقة أخذتها من ذات الرحلة المذكورة أدناه، وهذا مختصر ما عرفته عن رجل إلتقيته اول مرة سنة 2013 ..

البدايات .. محمد لمين الذي تدرج في هدوء وإلتزام في المناصب العسكرية من جندي الى قائد ناحية ..

ربما تختصر -بضم التاء- حياة ولد ددي في كونه قضى أكثر من نصف حياته العملية مقاتلا في صفوف الجيش، فقد إلتحق بالمؤسسة العسكرية شابا يافعا أواسط السبعينات من القرن الماضي كمقاتل مغمور لا يعرفه أحد ليتدرج في المناصب العسكرية من جندي الى مكلف بقطع الغيار الى مسؤول أمني بمكتب من مكاتب التنسيق الى مسؤول مركز العتاد العسكري “الحنفي” الى عضو في هيئة الأركان العامة للجيش مسؤول الإمداد الى قائد الناحية العسكرية الخامسة ثم العودة إلى الإمداد ثم مدير الأمن المركزي الى قائد الناحية العسكرية السابعة.
هذه المسيرة العسكرية دامت أكثر من عشرين سنة وقد بدأت من 1974 الى 1998.
لتكون هذه السنة أواخر القرن الماضي بداية تعيين الرجل في المناصب المدنية والتي لم يعمر في اي منها طويلا ولم تتجاوز في مجملها سنواته كرجل عسكري، بدأ تلك المناصب بتولي شؤون الجاليات ثم وزيرا للنقل والمياه ثم الداخلية ليشغل عضو أمانة وطنية واليا لولاية العيون ثم وزيرا للصحة العمومية واخيرا وزيرا مستشارا برئاسة الجمهورية.

تعرفي إليه .. موقف طريف ..

سنة 2013، شهر أكتوبر تحديدا وبمنطقة اغوينيت المحررة التي كانت وقتها تحتضن ذكرى الوحدة الوطنية وملتقى جاليات الجنوب، هناك سيكون لي اول لقاء بمحمد لمين ددي، كنت وقتها صحفيا مبتدئا في التلفزيون الصحراوي وقبل ذلك كنت “اخربش” حتى لا أقول اكتب في بعض المجلات ومواقع الصحف والتواصل الإجتماعي وربما من تلك الخربشات عرفني الرجل دون أن تكون لي سابق معرفة به.
تقرب مني وكان وقتها وزيرا للصحة العمومية وقال لي : ايو انت يا ولدي لاهي تمشي معانا عندنا تدشين مستوصف بمنطقة الدوقج؟، نظرت إليه وقد كنت منشغلا بإلتقاط صور بكامرة التلفزيون وقلت له : أنت منهو بعد؟، ضحك رحمه الله ثم عرف بنفسه.
ضحكنا معا وأخبرته أنني جئت رفقة بعثة من التلفزيون الوطني وأننا في مهمة وسنعود بعدها الى المخيمات لكن إذا شئت -قلت له- أخبر مدير التلفزيون محمد سالم لعبيد الذي كان وقتها برفقتنا وقل له انك تريدني أن أذهب معك لتغطية هذا الحدث.
ذهب الوزير الى المدير وأخبره بالأمر ثم عاد إلي وأخبرني أن الموافقة تمت وأنني سأذهب معه رفقة الأصدقاء الزملاء صمبة وجابر وعبد القادر وذلك مباشرة بعد نهاية الإحتفالات بآغوينيت وانه تكفل كوزير للصحة بكل ما سيلزمنا خلال رحلتنا معه وكذا رحلة العودة من المحروقات الى “لعوين” الى أماكن الاستراحة في الطريق.
وبالفعل ذهبنا مع الرجل وتم تدشين المستوصف ثم أخبرنا أنه سيغادر عائدا على وجه السرعة الى مخيمات اللاجئين وقال لنا لقد اخبرت كل النواحي العسكرية بوجودكم في المنطقة، غادروا براحتكم واي ناحية تريدون الاستراحة فيها توقفوا بها، هذه فرصة لكم لإستكشاف المنطقة ولعمل ريبورتاجات عن الأماكن الأثرية والتاريخية إذا شئتم.
سلمنا “اعوين” الرحلة ثم ودعنا.
لاحقا كان دائما يطلبني لأرافق البعثات الصحية الى المناطق المحررة مرتين في السنة خلال ولايته كوزير للصحة وكان بعد كل رحلة يستدعيني الى مكتبه ليشكرني ومؤسسة التلفزيون على التغطية التي عادة ما يصفها بالممتازة.

السنوات الأخيرة من حياة الرجل ..

بعد عقود من العمل الميداني آثر محمد لمين ددي النآي بنفسه عن تولي اي مسؤولية تنفيذية، سمعت أنه كان يعالج قبل مرضه الأخير من قصور في القلب، قيل ايضا أن الرجل طلب شخصيا إعفاءه من المرشحين المحتملين لتولي المسؤوليات كوزارء وولاة وسفراء وذلك عقب المؤتمر الخامس عشر الذي عقد في التفاريتي المحررة، لاحقا عين الرجل مستشارا برئاسة الجمهورية وهو منصب بدون حقيبة، خرج السياسي الصحراوي بعد ذلك من الصورة دون أن يخرج من مشهد النضال في عمومه.
نسب لمحمد لمين خلال هذه الفترة حوار ورسالة على الأقل، إتصلت به بنفسي بعد تسريب بعض وسائل الإعلام المستقلة والزملاء المدونين لما قيل أنه حديث للرجل وسألته : هل هذا لك، أجاب الرجل ب : نعم، كان لافتا مضمون الحديث الذي لم يخف فيه الوزير المستشار إمتعاضه من طرق التواصل والتشاور داخل الحركة في مرحلة خطيرة تمر بها.
من الواضح أن محمد لمين ددي ومثل جميع المناضلين الصحراويين كان له رأي مختلف بخصوص طرق وأساليب تسيير المرحلة لا الأشخاص داخل الجبهة والدولة، ومن الواضح أن ذلك الرأي المختلف تشكل لدى غالبية المناضلين ومن الواضح أن هذا الإختلاف في وجهات النظر هو حراك صحي طبيعي في مخاض تجربة تحررية تمر بمنعطف هام وربما خطير وقد يكون حاسم.
يحسب للرجل أنه جهر دائما بما يفكر به ويحسب له شجاعته في التعبير وهي حالة نادرة قليلة بين المسؤولين في الدولة والجبهة وإن كانت ستكون غير إستثنائية ولا نادرة لو كان محمد لمين مواطنا عاديا بإعتبار شيوع النقد والاختلاف بين أوساطنا كمواطنين.

قليل مما عرف عنه ..

الذين يعرفون ولد ددي جيدا يصفونه بالرجل “متين العلبة”، حتى في عهد الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز يقال انه كان من المسؤولين القلائل الذين لا ينافقون ولا يجاملون في الشأن العام، عرف بلا مبالاته بالحملات الإنتخابية فهو ليس من النوع الذي يشتري ود الناس او أصواتهم لأجل منصب في الأمانة الوطنية، فالرجل لا يهتم بالمناصب مع أن إسمه كان دائما موجود في قائمة المعينين في الوظائف التي لا تحتاج الى تصويت كوزير او كوالي او كقائد عسكري قبل ذلك.
لا يتبع ولد ددي لأي جناح ولم يعرف عنه ميله لأي طرف على حساب اخر في الحسابات السياسية، كان له رأي وتوجه شخصي مستقل صائب او مخطيء لكنه يلزمه وحده وهذه واحدة من الصفاة التي أحبها شخصيا واتبناها في حياتي الشخصية والعامة.
يقال انه كان صاحب كلمة وأنه لا يخفي غضبه من أي شخص مهما بلغت درجة مسؤوليته حتى ولو كان الرئيس نفسه أي رئيس، مثلما لا يخفي حبه لأي إنسان، يقال ايضا انه يهتم عادة بالموظفين الذين يعملون في مؤسسته وعادة ما يتجاوز ذلك الاهتمام ظروف عملهم الى الإهتمام بأحوالهم الشخصية من خلال الوقوف معهم في افراحهم ومواساتهم في الاحزان، لا يمن ولا يقايض ولا يتخلى عن رفاقه واصدقائه مهما كانت تقلباتهم هم او آراءهم او ظروفهم.
تظهر شخصية الرجل مزيج من الجدية والصرامة والشجاعة وقوة الشخصية مع اللطف والكرم واللين والمرح.

النهاية ..

خلفية الرجل العسكرية التي أكسبته الشجاعة في المواجهة وفي التعبير والثقة بالنفس هي نفسها التي واجه بها محمد لمين قدره المحتوم، ففور علم الرجل بإستعصاء مرضه لم يتردد في ترك المستشفيات ولم يتشبث بالعلاج ولا بالحياة بل تحلى بالرضى بالقضاء والقدر وبالشجاعة وغادر دون تردد نحو مخيمات اللاجئين الصحراويين ليجتمع بشعبه وبرفاقه وعائلته وليقضي أياما قليلة بين ظهرانهم ويتسامح معهم قبل تسلم الروح الى بارئها ذات يوم حار ليدفن الى جانب المواطنين والقادة الذين رحلوا قبل أن تشرق شمس الحرية، غادر محمد لمين عالمنا ومثل الذين دفن الى جانبهم بما لهم وما عليهم لكن أحدا منهم لم يبدل تبديلا.

فرحم الله ولد ددي، عزائي لصديقي ابا محمد لمين وللعزيزين حمدي والمحفوظ ولكل أبناء وبنات وزوجات واخوات وإخوة الراحل، عزائي لأفراد اسرته جميعا كل بإسمه ولرفاق دربه من المقاتلين الأشاوس والسياسيين، عزائي للشعب الصحراوي كافة داعيا الله أن يشمله بواسع رحمته وعظيم مغفرته وان يلهم كل محبيه في غيابه الأبدي جميل الصبر، إنه سميع مجيب.
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
عبداتي الرشيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق